نفوس السامعين حتى يستحضرَ كلُّ ذي لُبٍّ مقدارًا من مدلولها على مقدار تفاوت القرائح والأفهام، مع الاعتماد على إيمان المخاطَبين بها أن لا يَحملوها على ما يظهر بادئَ الرأي من معانٍ لا تليق بجلال الله تعالى.
وهذه الآية ونحوها - كقوله تعالى في سورة الأعراف: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] (?) - لكونها من المتشابه، كانت طرائقُ علماء الإسلام في الكلام عليها مختلفةً متفاوتة. فأما السلف من الصحابة فلم يخض منهم فيه سائلٌ ولا مسول، ولا تطلَّبوا بيانَه من الرسول، وتلك سنتُهم في أمثالها حين كانت عقائدُ الأمة سليمةً من الدَّخَل، وحين كان معظمُ انصرافها إلى حسن العمل.
ثم حدث التشوُّف إلى الغوص على المعاني في عصر التابعين، وربما طنت بأذهانهم أسئلةُ السائلين، فأخذوا يسدون بابَ الخوض في مثل هذا ويبعدون عنه لواذًا، وألْحقوه بالمتشابه، فقضَوْا بالإمساك عن تأويله، ويقولون: آمنا به، ويتأولون لطريقتهم بقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، ثم بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]. ولذلك نُقل عن جماعة منهم أنهم قالوا في آيات المتشابه: "نُمِرُّها إمرارًا كما جاءت، بلا كيف، ولا تعطيل، ولا تشبيه، ولا تمثيل". (?)