هذين الصنفين جاء الوعيد. وأما قوله: "من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين"، (?) فقد أورده أكثرُ الناس في معرض التحذير من القضاء. وقال بعضُ أهل العلم: هذا الحديثُ دليلٌ على شرف القضاء وعظيم منزلته، وأن المتولِّي له مجاهدٌ لنفسه وهواه، وهو دليلٌ على فضيلة مَنْ قضى بالحق إذ جعله ذبيحَ الحق امتحانًا". (?)
وقوله: "تجب التوبةُ منه" صحيح؛ لأنه يجر إلى تنقص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ كان القضاءُ من تصرفاته وتصرفات خلفائه المتأسين به في سنته. وبه يُعلم سرُّ ما خرجه الإمام رحمه الله في هذا الكتاب تحت ترجمة الترغيب في القضاء بالحق حديث: "إنما أنا بشرٌ مثلُكم، وإنكم تختصمون إلَيَّ، ولعلَّ بعضَكم أن يكونَ ألْحَنَ بِحُجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع"، (?) لينبهَ على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قاضيًا بين الناس، ثم كان القضاء من شأن الخلفاء الراشدين.
فلما آلت الخلافةُ إلَى مَنْ لم يكن لهم من العلم بالسنة مكانةٌ تُخَوِّلهُم السلامةَ من الخطأ غالبًا، آل ذلك إلى إسنادهم هذه الولايةَ إلى أحد العلماء المسَلَّم لهم العلمُ والعدل ليأمنوا يوم القيامة حملَ حسابهم. أما إن بعدت الأقطار، فإن من السنة