فإذا سلمنا أن أبا الصلت كان على جانب من التقوى والزهد، فلسنا بالذين نسلم أن ذلك كاف في قبول حديثه.

الطريق الثالث: الاحتجاج بتوثيق مَنْ وثق أبا الصلت، مثل الحاكم في المستدرك، ومثل ما نقل عن يحيى بنٍ معين. وأنا آخِذٌ في هذا بقاعدة تقديم الجرح على التعديل، إلا إذا كان المجرِّح شاذًّا جدًّا وكان متحاملًا، لا سيما وكثيرٌ من الذين جرَّحوا أبا الصلت طعنوه طعنًا عميقًا، كما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمته، وكما ذكره أئمةُ الحديث عن أحمد بن حنبل والدارقطني وابن عدي في شأنه. (?)

وقد ثبت أن أبا الصلت كان يروي أحاديثَ في مثالب ملصقة بمن تثلبهم الشيعة من الصحابة، مثل أبي موسى الأشعري ومعاوية رضي الله عنهما، وذلك يدل على خبث تشيعه ورقة ديانته بدخول الفضول بين خيرة الأمة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن الطعن في الصحابة إطلالٌ من كُوى الإلحاد في الدين ورفع الثقة بنَقَلَةِ الدين إلينا. فكيف تطمئن النفسُ للرواية عن مثله؟ ولا ينفعه مع هذه النزعة زهدُه وتقاه.

وفي الحديث وصفَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قومًا فقال: "تَحْقِرون صلاتَكم مع صلاتِهم وصيامَكم في صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرَهم، يمرقُون من الدين كما يمرق السهم من الرَّمية"، (?) وفي الحديث: "التقوى ههنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015