الطريق الثاني: جعلتم اشتهار أبي الصلت بالزهد والديانة شاهدًا لتعديله. وهذا لا أساعد عليه؛ إذ بين الديانة والعدالة بون. فقد قال مالك - رضي الله عنه -: "لقد أدركت سبعين رجلًا ممن يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند هذه الأساطين - وأشار إلى المسجد - فما أخذتُ عنهم شيئًا، وإن أحدَهم لو اؤتُمِن على بيت مال لكان أمينًا، إلَّا أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن". (?)

وروى ابنُ وهب عنه أنه قال: "أدركت بهذه البلدة [أي المدينة] أقوامًا لو استُقي بهم القَطرُ لَسُقُوا، قد سمعوا العلمَ والحديثَ كثيرًا، ما حدَّثْتُ عن أحد منهم شيئًا؛ لأنهم كانوا ألزموا أنفسَهم خوفَ الله والزهد. وهذا الشأن - يعني الحديث والفتيا - يحتاج إلى رجل معه تُقًى وورع، وصيانةٌ وإتقان، وفهمٌ وعلم، فيعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدًا". (?)

وقال يحيى بن سعيد القطان فيما روى مسلم: "لم نر أهلَ الخير في شيء أكذبَ منهم في الحديث"، (?) يريد أنهم يكذبون عن توهم وغلط واختلاط في المسموعات، وحسن الظن بالرواة. وقال عبد الله بن المبارك في شأن عباد بن كثير: "كنت إذا ذكر في مجلس أثنيت عليه في دينه وأقول: لا تأخذوا عنه". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015