من الحسن البصري أوعظ]، والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدى منهم أحدٌ لسلوك تلك الطرائق ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجلٌ قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما علما المعاني والبيان، وتمهل في ارتيادهما آونةً، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، [وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله، بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ، جامعًا بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثيرَ المطالعات، طويلَ المراجعات، قد رجع زمانًا ورُجع إليه، [ورَدّ ورُدَّ عليه]، فارسًا في علم الإعراب، مقدَّمًا في حَمَلة الكتاب (يعني كتاب سيبويه). وكان مع ذلك مسترسلَ الطبيعة منقادَها، مشتعلَ القريحة وقَّادَها، [يقظان النفس]، درَّاكًا للمحة وإن لطف شأنها، منتبهًا إلى الرمزة وإن خفيَ مكانُها". (?)
وقال العلامة السكاكي في المفتاح: "وفيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقفَ على تمام مُراد الحكيم تعالى وتقدس من كلامه مفتقِرٌ إلى هذين العلمين: المعاني والبيان كلَّ الافتقار، فالويلُ كلُّ الويل لِمَنْ تعاطى التفسيرَ وهو فيهما راجل". (?)
وقد ذكر القرطبي في مقدمة التفسير أن مَنْ فسَّر شيئًا من القرآن بدون مُستَنَدٍ من نقل صحيح أو دليل اقتضته قوانينُ العلم كالنحو والأصول والبلاغة، فهو متَّبِعٌ لهواه ورأيه المجرد، واقعٌ في الوعيد الوارد فيمن فسر القرآن بهواه ورأيه. (?)