وبما ذكرنا وقدمنا يظهر أن المسلمين مفرطون في حياطة جانب مهم من جوانب واجباتهم فيما بينهم.
وأما قوله: "وعامتهم"، فشاملٌ لنصح المرء نفسه بحملها على العمل بما جاء به الإسلام؛ لأنه بذلك يقيها مما يهلكها في الدنيا والآخرة، فهو نصح لها.
والنصيحة قسمان: واجبة ونافلة. فالواجبة لأئمة المسلمين دلالتهم على صلاحهم ورشدهم وعدلهم وصدقهم الأمة في القول والعمل، وتحذيرهم مما فيه تفريق الجماعة المصالحة من الأمة. وإنما كانت واجبةً لأنها إذا أُهملت تلحق المسلمين مضار من غفلة الأئمة بإهمال بعض المصالح. وهذا النصحُ يقوم له كلُّ مَنْ يأنس من نفسه العلمَ بما يؤدي إلى ذلك. والنافلةُ ترغيبهم في الازدياد من الخير. والنصيحةُ الواجبة لعموم المسلمين انتشالُهم من الضلالة ودعوتُهم إلى الائتلاف والوفاق. وإذا استنصحه المسلم وجب عليه نصحُه، ففي الحديث: "إذا استنصح المسلم أخاه المسلم فلينصحه". (?) والنافلة الدلالةُ على ما فيه خير للمسلم في دينه ودنياه.
أولى الناس بإسداء النصيحة للمنصوح مَن كان من أهل بطانته وطبقته؛ لأنه يكون أبصرَ بأحوال المنصوح ونصحه أجدر لقبوله لديه. وبهذا يتضح ضيقٌ في مقتضى حكم النصيحة من فرض الكفاية؛ إذ يختص تعلق هذا الفرض بالطائفة الذين يرجون قبول النصح. فأولى الناصحين لولاة الأمور نصح ولاة الأمور بعضهم لبعض؛ لأنهم أعرف بمقتضيات السياسة ومجاري أحوال الدول. وكذلك وزراؤهم وأهل المجالس النيابية فيهم، وكذلك رجال الحكومة بعضهم لبعض؛ لأنهم أعلم بأسباب الصلاح فيما لنظرهم وبمسالك تطرق الفساد إلى شؤونهم.