فنصح الناصح لأئمة المسلمين أن يبلغ إلى أولي الأمر ما يُخشى منه على الأمة من كيد الكائدين، وينبههم إلى ما عسى أن يحدث من إحن بين ولاة الأمور مما يحجب عن رعي مصلحة الأمة الإسلامية. وما قضى باضمحلال الإسلام من الأندلس إلا تخاذل ملوك الطوائف وكيد بعضهم لبعض، كما قال ابن الخطيب بعد أن ساق ذكرَ ملوك الطوائف: "والقُطرُ في أثناء هذا يُنتهب، والروم تستصفي النفوسَ والذهب؛ إذ صادفت كلمةً متفرِّقة، وأمةً بما دهاها شَرِقة". (?)
وأما النصح لعلماء الدين فأن يسعى الناصحُ بتذكيرهم والتقريب بينهم إذا اشتطوا في الخلاف، وبالتوفيق بين أتباعهم بأن ينبذوا الحميةَ والعصبية، ويجعلوا الحقَّ نصب أعينهم، ويتتبعوا أخطاء أفهام المتفقهين في الدين، (?) وأن يدعوهم إلى السعي إلى توحيد المسلمين ويدعوهم إلى جمع المؤتمرات المفيدة للتفاهم في شؤون الدين.
واعلم أن الأمر يُعكس، فكذلك يفرض على ولاة الأمور وعلى العلماء أن ينصحوا للعامة لما يرون فيهم من تقصير أو إضاعة لما تجب إقامته من أمور دينهم وكيانهم بمقدار ما لديهم من رغبة ورهبة، ولا ينفروا الأمةَ عن متابعتهم وإقناعهم بحسن الاعتقاد فيهم، وفي نصيحتهم. قال تعالى مخاطِبًا لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وذلك داخل في النصح لعامة المسلمين.