كذلك كان شأن فارس، تنوزعت فيها السلطة، وخف الناس إلى المجد الباطل، واستهواهم حب الرياسة فالكسل، واستبد العمال بالأطراف وتوثبوا على عروش الأكاسرة بعد كسرى إبرويز أواسط القرن السادس ميلادي، حتى جاء الإسلام والخُلف مشتطٌّ بين بوران والفيروزان على الملك (?).
لو كان قدر أن يظهر دينٌ يومئذ بين هاتين الأمتين لطارت به عواصفُ أهواء المسيطرين وداسته أقدامُ أولئك الجبارين، فكان من الحكمة أن يظهر هذا الدينُ القويم وسط أمة تمسكت بهدب من الفضائل واستبقت صبابة من ماء المروءة ترقرق في إناء شريف من طينة الحرية الطاهرة. تلك هي الأمة العربية، أمة أحاط بها من طبيعة إقليمها واق حفظ عليها سلامة الفطرة، وصان عقول أهلها عن الذهول عن كل سمات المدنية والفضيلة، وإن كانت يد التفرق قد مُدَّت إليهم فمزقت ممالكهم.
فمملكة اليمن أوهتها حروب الحبشة ثم استيلاء فارس عليها، ومملكة العراق العربي (الحيرة) أصبحت مستعمرة فارسية قتلوا ملكها النعمان تحت أرجل الفيلة واستاقوا بنته وحريمه بعد حرب ذي قار، ومملكة الشام - مستقر الغسانيين - أصبحت مستعمرة رومانية. سلمت أواسط جزيرة العرب - وهي الحجاز وما جاورها - من سلطان الملوك، وعزز أهلَها طبيعةُ إقليمهم بناصر ذادَ عنهم الطامعين من فاتحي الأمم مثل الإسكندر وكيروش (?) الفارسي، ولم يأمن بأسَهم كمبيرا ابن