دولتا العالم يومئذ - فارس في الشرق والرومان في الغرب - كانتا في حروب متسعِّرة ودماء مهراقة مستبحرة، ناهيك من استعباد الرؤساء واستكانة البؤساء، وتضاؤل المعارف العالية وفقدان الحرية الغالية. فالرومان قد فتَّ في ساعدها الانقسامُ بعد انتقالها من عصر السلطنة الزاهي - عصر أوقوست سنة 30 قبل المسيح - إلى عصر الانحطاط، عصر كومود سنة 180 م (?) حين سادت الأبهة والفخفخة ثم الانقسام لسلطتي بيزنتا وروما سنة 330 م أيام قسطنطين، ثم العجز عن ضبط المملكة حين استبد القواد والعمال بجهاتها، كما كان الانقسام في الدولة العباسية زمان المطيع بن المقتدر آخر القرن الرابع [الهجري]، فتأصلت جذورُ الاستبداد، ونُسيت الحرية والشهامة. وأصبحت السلطنة الغربية مسرحًا يمثل عليه السكسون والبرابرة والفنادلة الناسلون إليها أشنعَ مظاهر الهمجية والفتنة، هجيراهم نهب القصور وهتك الخدور، حيث لا مروءة تمنع ولا دين يزع. وأصبحت السلطنة الشرقية ذلولًا يقتادها قواد الجيش، يتسلمها أقواهم من يد أدناهم، إلى أن أفضت النوبة إلى هراكلوس أو هرقل (?) والي إفريقيا باختيار الأمة سنة 610 م.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015