ونحن هيأنا لك فيما قدّمناه مفتحًا تتعرف منه كيف تولّدت الحكمةُ المشرقية للشيخ ابن سينا. فالحكمة المشرقية طريقةٌ من الحكمة تغايرها الحكمةُ المغربية، فليست هي حكمة الإشراق؛ لأن تلك تقابلها الحكمةُ المشائية. والحكمة المشرقية لا تعتزي إلى اليونان؛ لأن الشيخ قال في مقدمة الكتاب - الذي هو موضوع بحثنا والذي سنتحدث عنه أخيرًا - ما نصُّه: "ثم قابلنا جميع ذلك بالنّمَط الذي يسميه اليونان المنطق، ولا يبعد أن يكون له عند المشرقيين اسم غيره"، (?) ولأن الشيخ قد ألف كتابًا سَمّاه "الإنصاف بين المشرقيين والمغربيين". (?)
فعلمنا من جميع ذلك أنه يعني بالمغربيين اليونان، وأنه يعني بالمشرقيين غيرَهم، وعلمنا أيضًا أن المشرقيين قومٌ يسكنون شرقَ بلاد اليونان، فعلمنا إذن أنه لا يريد بالحكمة المشرقية الحكمة المصريّة القديمة التي هي من أمهات الحكمة اليونانية، إذ تعلّم فيها سائرُ الحكماء من طاليس إلى أفلاطون؛ لأن الحكمة المصرية القديمة تلاشت.
ولا يعني الحكمة المصرية الحديثة، وهي الإسكندرانية المنسوبة إلى البطالسة؛ لأنها شعبةٌ من الحكمة اليونانية. ولا يريد حكمةَ أهل سيرينييك - أي بَرْقَة القديمة (?) -