فبهذا الاعتبار يصحُّ أن نُطلق وحدةَ الوجود على معنى كون ماهية الوجود حقيقة واحدة غير متفاوتة في الماهية، وإنما تتفاوتُ في صدقها على أفرادها. ولذلك قال صاحب "المواقف" في مبحث الوحدة والكثرة: "إن الوحدة تساوق الوجود، فكلُّ موجود له وحدةٌ حتى الكثير". (?) هذا رأيُ الحكماء في الوجود.
أما المتكلِّمون فالذي سلكه الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه الله أن الوجود من الحقائق الاعتبارية غير الوجودية؛ لأنه لا تحققَ له في الخارج إلا تبعًا لتحقق الموجودات. والأمور الاعتبارية عنده ليست من الأمور الوجودية، بل هي من العدمية. ولذلك قال الأشعري: إن الوجود هو عين الموجود. ومعنى ذلك أن الوجودَ ومعروضَه - وهو الموجود - ليس لهما هويتان متغايرتان تقوم إحداهما بالأخرى، مثل السواد والجسم. بل الماهيةُ إذا كانت فكونُها هو وجودُها، لكنهما متغايران في التعقل؛ بمعنى أن للعقل أن يلاحظ الماهيةَ دون الوجود، وبالعكس، فلا يكون الوجود زائدًا إلا في العقل.
وتفرع عن ذلك أنه قال: إن إطلاق الوجود على واجب الوجود وعلى ممكن الوجود ليس بحسب مفهوم واحد، بل بحسب مفهومين مختلفين، اعتدادًا بالعوارض العارضة للوجود بحسب حالة الموجود. فوجودُ الواجب يفوت وجودَ الممكن بسبب تنزُّه وجودِ الواجب عن قيد اكتناف العدم به مبدأ ونهايةً، ووجودُ بعض الحوادث التي لا آخر لها كالأرواح وأهل الجنة يفوتُ وجود بعض الحوادث التي لها آخر، كموجودات هذا العالم. فعلى هذه الطريقة ليس للوجود وحدة. (?)