مرارة في فم مجتنيها، ومن ثَمَّ لا يوجد فيها سرورٌ متساوي الأطراف، وقد كادت مصالِحُها أن لا تسلم من ضرر تخلفه. وينبغي أن يكون هذا سبيلَ طائفة الأبيكوريين (?) من الفلاسفة الذين يرون الدنيا كلَّها لذَّات؛ فإن رئيسَهم لا يذهب عنه أن متاعبها كثيرةٌ لغير الحكيم، ولكنه أراد اقتضاءَ لذاتها بقدار الاستطاعة.

جاءت شريعةُ الإسلام في آدابها على الحكمة الفطرية، فلذلك يكون حالُ المؤمن أشبهَ بحال الحكيم، ذلك أن الدين يأمره أن يأخذ من الدنيا ما يريد من الحلال، وأن لا يكون جازعًا عند فقدها. وبهاته التربية التي أصلُها التسليمُ للقدر فيما لا حيلةَ فيه، فُقدت المفاسدُ التي تنشأ عن آلالام في الأمم الأخرى من انتحار وجنون ونحوهما، قال تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77].

إذا كانت النفسُ ميَّالةً إلى لذاتها في كل حال، فالعاقلُ لا يسمح لنفسه باقتضاء لذتها الحسية. وربما وصل العقلُ إلى التفكر في حال اللذة ومآلها، فرأى أن لا بدَّ من انقطاعها، فقطعها قبل أن تقطعه. وهو مبدأ عظيم من الحكمة، قال فيه فيلسوفُ الشعراء أبو العلاء المعري:

ضَحِكْنَا وكَانَ الضَّحكُ منَّا سَفَاهَةً ... وَحُقَّ لِسُكَّانِ البَسِيطَةِ أَنْ يَبْكُوا (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015