الرسالة الثانية (?)

انعقدت بين الشيخين محمد الطاهر ابن عاشور ومحمد الخضر حسين أواصرُ صداقة قوية، ومودة صادقة، وأخوة عميقة، منذ عهد المطلب بجامع الزيتونة. واستمرت تلكم الأواصرُ متينةً نامية. ودام التواصل العلمي والفكري بينهما قويًّا زاكيًا، حتى بعد أن غادر الخضر حسين تونس بدون رجعة، تترجمه مجلة "الهداية الإسلامية" التي أنشأها في مصر وكان ابن عاشور من أبرز كتابها وأغزرهم قلما. ومما جرى بينهما من تراسل كتاب بعث به ابن عاشور - وكان حينئذ كبير القضاة بتونس - إلى الخضر حسين بعد هجرته من تونس إلى مصر عام 1331 هـ صدره بالأبيات الآتية:

بَعُدْتَ وَنَفْسِي فِي لِقَاكَ تَصيدُ ... فَلَمْ يُغنِ عَنْهَا فِي الحَنَان قَصيدُ

وَخَلَّفْتَ مَا بَيْنَ الجَوَانح غُصَّةً ... لَهَا بَيْنَ أَحْشَاء الضُّلُوعِ وَقُودُ

وَأَضْحَتْ أَمَانِي القُرْب منْكَ ضَئيلَةً ... وَمَرَّ اللَّيَالي ضعْفُهَا سَيَزِيدُ

أَتَذْكُرُ إِذْ وَدَّعْتَنَا صُبْحَ لَيْلَةٍ ... يَمُوجُ بِهَا أُنْسٌ لَنَا وَبُرُودُ

وَهَلْ كَانَ ذَا رَمْزًا لِتَوْدِيعِ أُنْسِنَا ... وَهَلْ بَعْدَ هَذَا البَيْن سَوْفَ يَعُودُ

أَلَمْ تَرَ هَذَا الدَّهْرَ كَيْفَ تَلَاعَبَتْ ... أَصَابِعُهُ بالدُّرِّ وَهْوَ نَضِيدُ

إذَا ذَكَرُوا لِلْوُدِّ شَخْصًا مُحَافظًا ... تَجَلَّى لَنَا مَرْآك وَهْو بَعِيدُ

إِذَا قِيلَ: مَنْ لِلْعِلمِ وَالفِكْرِ والتُّقَى ... ذَكَرْتُكُ إِيقَانًا بِأَنَّكَ فَرِيدُ

فَقُلْ لِلَّيَالِي: جَدِّدِي منْ نِظَامِنَا ... فَحَسْبُكِ مَا قَدْ كَانَ فَهوُ شَدِيدُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015