إن العلومَ شتى، ومناحي التفكير عديدة، وكلُّها لازمٌ لاستكمال الحضارة، ويتبعها شيءٌ آخر مهمٌّ وهو مزاولةُ المجتمع، واندماجُ المرء بين أهل عصره. والتلميذ في منقطع من العمل يغمر أوقاته ويستغرق ساعاته، فإن هو لم يحتلْ على التزوُّد من تلك العلوم والمناحي والاتصال بذلك المجتمع، كان كالغريب في قومه، وكأنه ابنُ أمسه لا ابن يومه. وليس أجدى عليه في قصده، وأبقى له على سننه وتقاليده العلمية من انتيابه مكتبةَ التلميذ، فهنالك يتعرف إلى طبقات من صنفه لا تجمعه وإياهم حِلقُ الدروس، ويطلع على كتب لا تعرض له في برامج تعليمه، فيصبح ذهنه كالنحل العواسل تختار من كل الأزهار والثمرات، لتخرج له عصارةً مختلفةَ الألوان والأذواق فيها شفاءٌ للنفس.
فمكتبةُ التلميذ الزيتوني تحتوي على فوائد غالية ومقاصد شريفة تجتمع في أنها: تحصل فائدة الاجتماع في الاختصاص، وتقابس الأفكار، وتزويد العقول بالمعارف الجمة، كلُّ ذلك في حفظ كرامة، واستبقاء للآداب العالية ومكارم الأخلاق.
ورحم الله أبا عثمان الجاحظ إذ يقول في الكتاب: "هو الصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالكر، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب". (?)