فمن الحكمة أن يوفَّق بين حالي حاجته وراحته. فكما كانت تلك المعارفُ مغايرةً للعلوم التي يلقنها في برنامج تعليمه، كذلك ينبغي أن تكون وسيلةُ إيصالها إلى ذهنه مغايرةً للوسائل المعتادة، حتى يحصل استجدادُ نشاط ذهنه باختلاف الأساليب من غير حرجٍ عليه في ذلك ولا تثريب، فإن لاختلاف الأساليب تجديدًا لإقبال النفس على مزاولة الأشياء المتكررة.

ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخول أصحابه بالموعظة خشيةَ السآمة عليهم (?)، واقتداء بتلك السنة كان عبد الله بن عباس إذا أفاض في القرآن والتفسير طويلًا وخاف عليهم الملالَ يقول لأصحابه عقب ذلك: "أحمِضوا"، يريد خُذوا في مُلح الكلام والأخبار (?). ومعنى تلك الاستعارة أن الإحماض هو أن ترعى الإبلُ الحمض، وهو النبتُ الذي فيه ملوحةٌ وحموضةٌ بعد أن كانت ترعى الخلة - وهي الحلو من النبت - تحب أن تخالف الطعم تجديدًا لشهوة المرعى. ولعلكم تذكرون تلك النكتةَ التي وجَّه بها علماءُ البلاغة أسلوبَ الالتفات في كلام العرب، فمثلوه بحسن القِرى إذا يخالف المضيفُ لضيوفه بين ألوان الطعام، وكما كان اختلافُ الألوان من قرى الأشباح، كذلك يكون اختلاف الأساليب من قرى الأرواح (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015