البشر في اتباعه حتى لا يحتاج الدين - الذي هو مصلح البشر - في تأييده إلى الوقوف بأبواب غير بابه.
والخلافة بهذا المعنى الحقيقي ليست لقبًا يُعطَى لكبير ولا طريقًا روحانيًّا يوصل الروحَ إلى عالم الملكوت، أو يربط النفوس في الدين بأسلاك نورانية، بل هي خطةٌ حقيقية تجمع الأمةَ الإسلامية تحت وقايتها بتدبير مصالحها والذب عن حوزتها. وإن الخلافة بهذا المعنى ظهرت في صدر الإسلام في أجلى مظاهرها ثم أخذت تتضاءل من عهد الخليفة الرابع، فلم تزل في تضاؤل وتراجع ومرض وسلامة إلى أواسط الدولة العباسية؛ إذ استمر خروج الخارجين حتى بلغت إلى حدّ صارت به بقية اسم يورث وليس لصاحبها من الحظّ كما يقول ابن الخطيب في "رقم الحلل":
إِلَّا الدُّعَاءُ فَوْقَ عُودِ المِنْبَرِ ... مِنْ كُلِّ مَحْجُوبٍ عَنِ الأَمْرِ بَرِي (?)
فصار اللقبُ يومئذ مجازًا لا حقيقة، إلا أنه مجاز سوغته علاقةُ اعتبار ما كان. ولو أريد إعطاؤه من أول الأمر على تلك الحالة لما كان؛ إذ كيف يمنح هذا اللقب لمن يكون حاله بعد منحه كحاله قبله، وماذا يستطيع أن يفعل إذا كان أعزل عن كل قوة؟ وهل يستطيع بالألقاب اللفظية أن يُسَابَ من الهوة؟ وكيف يطمع في ذلك مَنْ