أمرنا بأن لا نطيع العصاة إذا كان عصيانهم متلبسًا بذواتهم لا بأوامرهم. على أن في هذا خلافًا قديمًا بين علماء الأمة، فلا يمكن جعله أصلًا يستنبط منه.

الباب الثالث: في الخلافة من الوجهة الاجتماعية:

قال في صحيفة 22: "نسلم أن الإجماع حجةٌ شرعية، ولا نثير خلافًا مع المخالفين" إلخ، وعلق عليه في الحاشية أنه ينظر إلى مخالفة الروافض والنَّظَّامِ وأضرابهم. وهذا توهم بَيِّن؛ لأن الإجماع المختلف فيه هو إجماع المجتهدين على أمر اجتهادي. على أن المخالفين فيه لا يُعتدُّ بخلافهم؛ لأنهم طائفةٌ قليلة ضعيفة العلم من بين طوائف الإسلام. غير أننا لا حاجةَ بنا إلى الخوض في هذا الغرض؛ لأن الإجماع الذي ثبتت به مشروعيةُ الإمامة العظمى هو الإجماع المنعقد عن دليل ضروري من الشرع، وهو الذي يُعبَّر عنه تارة بالإجماع وتارة بالتواتر المعنوي. وقد تقدم من كلام إمام الحرمين ما يرشد لذلك إذ قال: "إذا أجمع علماء العصر على حكم شرعي وقطعوا به" إلى آخر ما تقدم.

وقال المؤلف في صحيفة 23: "إن مقام الخلافة كان، منذ الخليفة الأول أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى يومنا هذا، عرضةً للخارجين عليه المنكرين له. . ." إلخ (?)، وهو كلام يزيفه التاريخ والحديث والفقه، فإن بيعة أبي بكر لم ينكرها أحدٌ من المسلمين ولا دعا داعٍ لمنازعته، ولكن خرجت طوائفُ من العرب منهم مَنْ خرج من جامعة الإسلام وهذا لا حجة فيه، ومنهم مَنْ منع حقّ الزكاة ورأى أن ذلك من حقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، فما خرجوا لمنازعته في الولاية. وحسبك ما ثبت في الصحيح أن عمر قال لأبي بكر رضي الله عنهما لما عزم على قتالهم: "كيف نقاتلهم وقد قالوا لا إله إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015