الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أتحفني بعضُ الأبناء الأعزاء في خلال الراحة الصيفية بكتاب عنوانه "الإسلام وأصول الحكم"، ألفه الشيخ علي عبد الرازق المصري من علماء الأزهر وقضاة المحاكم الشرعية. فسرني إفرادُ هذا البحث بالتأليف، وقلت هذا بلبل المصيف، قد استقر على فنن مورق وحصيف. وصادف مني فراغًا من الشواغل، أعانني على استقصاء مطالعته في ليال قلائل. فلم أعتم (?) حين عجمتُ عودَه وتوسمت تحليقَ طائره في أوج المعارف وصعوده أن تبينتُ في الأمرين لينًا واضطرابًا، حتى خشيت أن يبدل الفنن خمطةً وبلبلُه غرابًا. وكنت في أثناء تلك المطالعة تعرض لي خواطرُ نقدٍ فأطلقها على التقييد وأرجئ ذلك لفرصة من بعد، إلى أن طويته على غرة، واختلاط حلوه بمره.
ثم بدا لي بعد ذلك أن أنبه على ما لاح من النقود، خيفةَ أن تتلقفه طلبةُ العلم كدأب الناس في تلقف الجديد، فتقع من أذهانهم موقعَ الصدأ من خالص الحديد. وكنت أود أن أبسط القول في تحقيق ما وقع فيه من مسألة مختلطة أو شبهة متبعة، ولكن لما أصبح الوقت بالمهم مشغولًا، فقد اكتفيتُ بالإلمام بما عنَّ من الملاحظات وأوجز قولًا.
تونس: ربيع الأنور سنة 1344 هـ