يكونوا من أهل الاختصاص بعلم اللغة. وصارت روايةُ كتب اللغة بطريق الإجازة فقط، مجردةً عن القراءة والتحقيق والدرس، التي كانت تعتمد عليها الروايةُ كما رأينا عند ابن بشكوال وابن الغماز واللبلي.
فاتسع مجال التلقي بالإجازة وحدها بين المشرق والمغرب من أوائل القرن التاسع، وآوت طرقُه كلها إلى مصر. واجتمع منها لشيخ الإسلام ابن حجر ما لا يكاد يشذ عنه شيء من مختلف طرق الرواية في عامة الأقطار الإسلامية. فقد انتهت إليه الأسانيد التونسية من طريقيْ ابن عرفة وابن خلدون عن شيخهما محمد بن جابر الوادياشي، ومن طريق الحفيد ابن مرزوق عن القيجاطي (?). وهي طرق تجتمع فيها جميعُ الأسانيد اللغوية التي قدمنا ذكرَها. كما انتهت إليه الأسانيد المشرقية، وأهمها - وخاصة في علم اللغة - سند الإمام مجد الدين الفيروزآبادي - صاحب "القاموس" - الذي روى عنه ابن حجر مباشرة، وقد روى الفيروزآبادي عن ابن مرزوق.
وعن ابن حجر وتلاميذه - أمثال السيوطي، وشيخ الإسلام زكريا [الأنصاري]، والشيخ إبراهيم اللقاني - انتشرت هذه الأسانيد مجتمعة، واندرجت الأسانيد المتصلة بالإجازة العامة المطلقة في الفهارس والأثبات التي مدارها كتب السنة، والمستندة روايتها في الأكثر إلى القراءة والدرس والمناولة على ما ينبغي لرواية السنة من التثبت والتحري.
ويدخل في أقطار دائرة تلك الأسانيد جميعُ فنون الثقافة الإسلامية، متساهلًا في روايتها بالإجازة المجردة ومنها كتب اللغة. فأصبح الناس عالة على جوامع الأسانيد المصرية المصنفة في القرن التاسع، وخاصة فهرس الحافظ ابن حجر وفهرس السيوطي المسمى "نشاب الكتب في أنساب الكتب".