واستمرت هذه الحركة في خدمة اللغة رائجة، والهمم في الاعتناء بها صاعدة، طيلة القرن السابع والقرن الثامن. وامتدت إلى مصر، واتصلت بأئمة اللغة فيها بواسطة الراحلين المجتازين أمثال ابن رشيد، أو المنقطعين المهاجرين أمثال التيفاشي (?)، فكان ذلك سبب اتصالها بابن منظور صاحب "لسان العرب"، زيادة على أصالته الإفريقية.

ثم أخذت الهمم في التقاصر، والإقبال في التراجع، من أواخر القرن الثامن، بما توالى على البلاد التونسية من أحدث الفتن والقلاقل والأوبئة، مما قطع الأمل، وقتل العزائم، وشتت الألباب. وإن كان ابن خلدون قد يعزو ذلك إلى شيء صرح به بالنسبة إلى الملكة اللسانية؛ إذ علل انقراضها وانقطاع سند تعليمها في العدوة (المغرب الأقصى وتونس) بـ "عسر قبول [أهل] العدوة لها، وصعوبتها عليهم بعوج ألسنتهم ورسوخهم في العجمة البربرية، وهي منافية لما قلناه". (?) ولنا في تنويهه بمقام شيخيه محمد بن بحر، ومحمد بن جابر الوادياشي، في علوم العربية واللسان، وما أخذ عنهما من علم مسند بالرواية (?)، ما يُبعد التعليلَ الذي أورده عن أن يكون له في موضوعنا مجال.

وأيًّا ما كان السبب، فإن سند تعليم اللغة في البلاد التونسية قد انقطع بعد اتصاله، وأصبحت الأسانيدُ المتصلة بكتب اللغة مندرجةً اندراجًا تبعيًّا في الإجازات والأثبات، تحكي ما كان لها من الشأن السامي والمقام المكين. فتكفل بإبلاغ الأمانة رجالُ الفهارس والأثبات والرحلات العلمية، مثل القيجاطي، وابن جابر، وابن رشيد، والحفيد ابن مرزوق، وخالد البلوي، والعبدري. فتلقاها عنهم أصحابُ الأسانيد العامة والأثبات الجامعة من أهل المشرق وأهل المغرب، وإن لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015