قصد التتر كاشغر من بلاد تركستان، ثم منها إلى سمرقند وبخارى. وعبرت طائفةٌ منهم خراسان، ثم الري وهمذان وبلاد الجبل إلى حدود العراق، ثم قصدوا أذربيجان وأرانية وإيران ودربند وشروان وإبلان واللكز وبلاد قفجاق. ومضت طائفةٌ منهم إلى غزنة وما جاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان، فما مضت سنةٌ حتى احتلوا أكثرَ بلاد الشرق وأهمَّ معمور البلاد الإسلامية وأحسنَه وأكثره عمارة، فأوسعوا أهلَ تلك الأقطار قتلًا ونَهْبًا والبلاد تخريبًا وإفسادًا، حيث لم يبق أحد من المسلمين إلا وهو خائف وجل، ولم ينج منهم إلا قليلٌ من الناس فروا إلى الغياض ورؤوس الجبال.
ولا يُجهَلُ ما أصاب مدينةَ بغداد وحضارتها من جراء عبثهم على يد سلطانهم هولاكو سنة 656 هـ. ومما أعانهم على هذا الانتشار أنهم لا يحتاجون إلى ميرة ولا إلى مدد يأتيهم؛ لأنهم استصحبوا معهم بقرَهم وغنمهم وخيلهم يأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها، ولا يعلفون دوابهم؛ لأنهم عودوها أن تبحث في الأرض بحوافرها وتأكل عروقَ النبات، وكادوا أن يستأصلوا الإسلام في أهم مواطنه.
والتتر يومئذ يدينون بالمجوسية: يعبدون الشمس، ويسجدون لها عند طلوعها، وليس في دينهم تحريمٌ لشيء من الأعمال. (?) وأولُ مَنْ قصدوه بالحرب من ملوك الإسلام محمد خوارزمشاه الذي انفرد يومئذ بملك المشرق، وقاتل معظم ملوك