من التنقيح والتهذيب. (قال ابن جني: ) ومعناه: إن الأجفان قد قَرِحت، وصار مكانَ حمرة الخدود صفرة". (?)
وحاصلُ كلامهم مع توجيهه أن قرحى يرجح أن يكون مُنَوَّنَ الآخر، اسم جمع قرحة بفتح القاف، وهي مؤنث القرح وهو الجرح، فهو جمع لاسم جامد ليوافق مقابله وهو "بهارًا"، الذي هو جمع بهارة. فتحصل المزاوجةُ في البيت بين الكلمتين المتقابلتين مزاوجةً في المعنى؛ إذ تكون كلتاهما اسم جمع لاسم جامد، ومزاوجةً في اللفظ؛ إذ تكون كلتاهما منوّنة. ولا يكون قرحى ممالًا؛ لأنه حينئذ يكون جمع قريح مثل جرحى، فيفوت التزاوج من الجهتين.
قال أبو العلاء المعري في شرحه لديوان المتنبي الذي سماه معجز أحمد: "وروي قُرحًا منونًا على الاسم، وقَرْحى غير منونة، صفةُ الأجفان، والمعنى واحد" (?). فصرح المعري بما لمح إليه كلام ابن جني والواحدي في كون المعنى واحدًا على وجهي التنوين والإمالة، فيكون اختيار المتنبي للتنوين لمجرد إيفاء حق الصناعة اللفظية.
والذي جرّأ المتنبي على هذا أن مزاوجة الألفاظ المتقاربة أو المتقابلة هي من أفانين الفصاحة العربية، ولذلك نرى العرب يعمدون إلى الكلمة فيغيرونها عن لفظها الأصلي إلى حالة أخرى لأجل وقوعها مع كلمة أخرى، كما جاء في القرآن: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)} [الإنسان: 4]، فنوَّن "سلاسلًا"