والمهدي، قال في الأغاني: "جعل له المهدي وفادةً كلّ سنة". (?) وحسبك من مكانته لدى الأمراء ما ذكر ابن رشيق القيرواني - في باب فضل الشعر من كتابه العمدة - أن بشارًا كان من كتّاب الأَزِمَّة مع كونه أعمى، وأن أبا علي البصير الشاعر كان أيضًا من كتّاب الأَزِمَّة (?). وأحسب أن ذلك زيادةٌ في تقريبه، وأنه كان يملّ على النسّاخ، ولذلك قصر على كتابة الزمام دون كتابة الإنشاء؛ لأن كتاب الإنشاء مستودع أسرار الأمراء، فتعين أن يكونوا قادرين على الكتابة بأنفسهم.
لا يسلَم الناظرُ في أخبار بشار وفي تضاعيف قصائده من حيرة تلم به وشكٍّ ينتاب نفسه؛ فإنه يجد معظم شعر بشار في الغرام ووصف فنونه القلبية والحسية، فيخامره هاجسٌ يقول: هل كان الغرام يسلك إلى شغاف قلب بشار حتى يكون ما جاء في شعره من وصف عشقه وولهه حقيقةً كما يؤذن بذلك إكثارُه منه وتُصدِّقه أخبارُه ونوادره من حب النساء وميله إلى مغازلتهن وإلقاء نفسه إليهنّ وتهافتهنّ على لقائه وملازمة مجلسه؟