وذكر الحريريُّ في المقامة الثانية والعشرين (الفراتية) بعضَ مزايا الكتاب أهل الإنشاء وبعضَ وجوه الحاجة إليهم، فقال: "والمنشئُ جهينةُ الأخبار، وحقيبةُ الأسرار، ونجيُّ العظماء، وكبيرُ النُّدماء. وقلمُه لسانُ الدولة، وفارس الجولة، ولقمان الحكمة، وترجمان الهمَّة. وهو البشير والنذير، والشفيع والسفير، به تُستخلص الصياصي، وتُملك النواصي، ويُقتاد العاصي، ويُستدنَى القاصى. وصاحبه بريء من التبعات، آمن كيد السعاة" (?).
وفي "صبح الأعشى" من كلام أبي جعفر الفضل بن أحمد: "للكتّاب أقرت الملوك بالفاقة والحاجة، وإليهم ألقوا الأعنة والأزمة، وبهم اعتصموا في النازلة والنكبة، وعليهم اتكلوا في الأهل والولد، والذخائر والعقد، وولاية العهد، وتدبير الملك، وقرع الأعداء، وتدبير الفيء، وحياطة الحريم، وحفظ الأسرار، وترتيب المراتب، ونظم الحروب" (?).
• "والشعراء إنما أغراضُهم التي يسددون نحوها، وغايتهم التي ينزِعون إليها، وصفُ الديار والآثار، والحنينُ إلى المعاهد والأوطان، والتشبيبُ بالنساء، والتلطيفُ في الاجتداء، والتَّفَنُّنُ في المديح والهجاء، والمبالغةُ في التشبيه والأوصاف. فإذا كان كذلك، لم يتدانَوْا في المضمار، ولا تقاربوا في الأقدار. وإذ قد أتينا بما أردنا، ووفينا بما وعدنا، فإنا نشتغل بما هو القصد من شرح الاختيار، والله الموفق للصواب، والصلاة والسلام على رسوله وآله الأخيار" (?)،
أشار إلى أن أغراضَ الشعراء وإن كانت رائقةً للنفوس، ومرغوبةً عند أهل الذوق السليم، فإن للكتَّاب المرتبةَ المَهِيبة، والآثارَ العجيبة.