وأراد بـ "أحوال الزمان" أحوالَ الناس في زمانه ليخاطبهم بما يناسب عقولهم، ولا يحملهم على ما يَعُدونه إرهاقًا وإعناتا. والمرادُ بـ "النقص" إبطالُ عملٍ عمله الناس، أو تغيير سيرة، أو منعهم مما يريدونه. والمراد بـ "الإبرام" الإلزامُ بفعل، والحمل على سيرة خاصة، شبَّه الإلزامَ بفتل الحبل وهو الإبرام، وشبَّهَ الإبطالَ بحل الحبل المفتول، قال تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل: 92]. و"البسط" التوسِعةُ في شيء، وإظهار الرضا عن حال. و"الانقباض" التضييق في التصرف، وإظهار الكراهية من الشيء. و"الإسهاب" إكثار الكلام، أي الإكثار في عبارات الرسالة، وأراد به الإطناب؛ لأنه قابله بالإيجاز، وهما وصفان للتراكيب كما هو معلوم في علم المعاني. و"التطويل" تطويل الرسالة بإكثار الأغراض، أو بالاستطراد ونحوه. ويقابله التخفيفُ، وهو الاقتصارُ على أقل ما يلزم في الغرض.
وقولُ المؤلِّف: "فهو إنما يترسَّلُ. . ." إلخ، تفريعٌ على ما ذكره من قوله: "فهو أن المترسِّلَ محتاجٌ إلى أمورٍ كثيرة. . ." إلخ، أتى به كالدليل على ذلك الاحتجاج، ولذلك ختمه بقوله: "التي يُحتاج فيها إلى أدواتٍ كثيرة، ومعرفة مفتنَّة".
• "فلما كان الأمرُ على هذا، صار وجودُ المضطلعين بجودة النثر أعز، وعددُهم أنزر. وقد وسمتهم الكتابةُ بشرفها، وبوأتهم منزلةَ رئاستها، فأخطارُهم عاية بحسب عُلُوِّ صناعتهم، ومعاقد رئاستهم، وشدة الفاقة إلى كفايتهم" (?)،
جعل السببَ في قلة الكتاب هو السبب أيضًا في رفعة شأنهم، وقد يكون للسبب الواحد مسببان فأكثر. وحاجةُ السلاطين والأمراء والسادة إلى الكتاب معلومة، وفي تضاعيف شواهد التاريخ منها كثير. وقصةُ غَناء عبد الله بن المقفع الكاتب عن مخدومه علي بن عبد الله بن عباس في صده كيد السفاح عنه بما كتبه من صيغة الأمان الذي رضيَ السفاح ببذله لعمه علي بن عبد الله بن عباس مذكورة في ترجمة ابن المقفع، ويقال هي كانت سببَ نكبة ابن المقفع (?).