وليس مرادُه يجهل الرديء العجزَ عن أن يدرك رداءةَ الرديء؛ فإن مَنْ عرف الجيدَ لا يعدم إدراكَ ما ليس بجيد، كما دل عليه قوله: "والواجب أن تعرف المقابح. . ." إلخ. فكما يجب معرفةُ أسبابِ الاختيار، يجب معرفةُ علل النقد. فلا جَرَم أن كان واجبًا على مَنْ يُعْنَى بالأدب اهتمامُه بمطالعة ما للشعراء من أسقاط (?) وأغلاط، كما يهتم بما لهم من بدائع أنماط؛ فإن ذلك يزيد في نفسه حسنًا، ولأنَّ ذلك يُكسِبُه ملكةَ الحكم ومقدرةَ الإقناع بأسباب الارتفاع والانحطاط.
• "وجِمَاعُها إذا أُجْمِلتْ أنها أضدادُ ما بيَّنَّاه من عَمَدِ البلاغة وخصال البراعة في النظم والنثر" (?)،
أراد بـ "عَمَد البلاغة" ما سماه فيها تقدم "عمود الشعر"، وهو الأبوابُ السبعة، والعَمَد بفتحتين، وبـ "خصال البراعة" ما سبق من شروط الإجادة عند البلغاء.
• "وفي التفصيل كأن يكون اللفظ وحشيًّا، أو غير مستقيم" (?) , قوله "وفي التفصيل" عطفٌ على قوله "إذا أجملت". وهذا تفصيلُ ما أجمله آنفا. وقوله "كأن يكون اللفظ وحشيًّا"، يقال وحشي، ويقال حوشي، بطريق القلب المكاني. والوحشيُّ اللفظُ الذي يقِلُّ استعمالُه في الكلام الفصيح، أو يكون مرادُ الشاعر به غيرَ معلوم. ومثالُه ما وقع في شعر أبي حزام غالب العُكْلي، من شعراء زمن المهدي، من قوله:
تَذَكَّرْتُ سَلْمَى وَإِهْلَاسَهَا ... فَلَمْ أَنْسَ وَالشَّوْقُ ذُو مَطْرُؤَه (?)