"لأن من عرف مستورَ المعنى ومكشوفَه ومرفوض اللفظ ومألوفَه، وميَّز البديعَ الذي لم تقتسمه المعارض ولم تعتسفه الخواطر، ونظَرَ وتبَحَّر، ودار في أساليب الأدب فتخَيَّر، وطالت مجاذبتُه في التذاكر والابتحاث، والتداول والابتعاث، وبان له القليلُ النائب عن الكثير، واللَّحْظُ الدالُّ على الضمير، ودرى تراتيبَ الكلام وأسرارَها، كما درى تعاليقَ المعاني وأسبابَها، إلى غير ذلك مما يُكمِّل الآلةَ ويشحذ القريحة - تراه لا ينظر إلا بعين البصيرة، ولا يسمع إلا بأُذُنِ النَّصَفَة، ولا ينتقد إلا بيد المَعْدِلة، فحكمُه الحكم الذي لا يبدَّل، ونقده النقد الذي لا يُغيَّر" (?)،

بين المرزوقي بهذا الكلام أسبابَ الاختيار عند أهل النقد بأنها أسبابٌ حقيقية لا وهمية. قال الآمدي في الموازنة: "وأنبه على الجيد وأفضله على الرديء، وأبين الرديء وأرذلَه، وأذكر من علل الجميع ما ينتهي إليه التخليص وتحيط به العناية. ويبقى ما لم يمكن إخراجه إلى البيان، ولا إظهاره إلى الاحتجاج، وهي علة ما لا يعرف إلا بالدُّربة ودائم التجربة وطول الملابسة. وبهذا يفضُل أهلُ الحذاقة بكل علم وصناعة مَنْ سواهم ممن نقصت قريحتُه وقلت دُربته، بعد أن يكون هناك طبعٌ فيه تقبُّلٌ لتلك الطباع وامتزاج، وإلَّا لا يتم ذلك". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015