قال بعض أئمة الأدب: "هذا البيت أولُه أعرابِيٌّ في شملته، وآخره مخنَّثٌ من مخنَّثي العقيق يتفكك". (?) إلا ترى أن قوله "ويحكم" من كلمات التعجب وهي جزلة؟ فلو قال: أفديكم، لاعتاض عن الجزالة بالرقة.

وقد تُقال "الجزالة" في هذا الإطلاق على الكلام الذي يصدر في أغراضٍ تناسبها الشدة، كالرثاء والحماسة. وتقال "الرقةُ" على كلام في أغراضٍ يناسبها اللينُ واللطافة، كالنسيب والزهريات والملح. والجزالةُ في هذا كله من صفاتِ الألفاظ باعتبار المعاني، ويظهر تصرفُ البليغ في صناعتها بالخصوص في صوغه المعاني التي يصوغها في نفسه: من مجاز، واستعارة، وتمثيل، وكناية، وأنواع البديع. وأما المعاني الوضعيَّة فتأتي بطبْعِ سياق الكلام، وتأتي الألفاظُ تبعًا للمعاني.

وأما "استقامة اللفظ" فهي وصفٌ نسبِيٌّ يعرض للفظ في حين انتظامه في الكلام؛ فإن للألفاظ معانِيَ موضوعةً لها، ومعان كثر استعمالُها فيها، وَلَها معانٍ يستعملها المتكلمُ فيها على وجه المجاز، أو الاستعارة، أو الكناية، أو نحو ذلك. فاستقامةُ اللفظ هي وفاؤه بالمراد الذي استعمله فيه البليغ، دون خطأ ولا تقصير ولا غموض. فمن الاستقامة السلامةُ من التعقيد المعنوي، أو السلامة من الخطإ في استعمال اللفظ إما لقصور في معرفة اللغة وإما لغفلةٍ، كاستعمال اللفظ الدال على الأعم في حين إرادة الأخص. وفي بعض هذا المقصد أُلِّفت الكتبُ المنبهة على أخطاء الخاصة، مثل "درة الغواص" للحريري، ومثل مباحث من كتاب "أدب الكتَّاب" لابن قتيبة. وقد أشار المؤلف إلى هذا بقوله الآتي: "وعيار اللفظ الطبع والرواية والاستعمال"، وقوله: "وهذا في مفرداته وجملته مراعى". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015