• "فطلبوا المعاني المُعْجِبة من خواص أماكنها وانتزعوها جزلةً عذبة حكيمة طريفة، أو رائقة بارعة فاضلة كاملة، أو لطيفة شريفة زاهرة فاخرة. وجعلوا رسومَها أن تكون قريبة التشبيه، لائقةَ الاستعارة، صادقةَ الأوصاف، لائحةَ الأوضاح، خَلابةً في الاستعطاف، عطافةً لدى الاستنفار، مستوفيةً لحلولها عند الاستهام من أبواب التصريح والتعريض، والإطناب والتقصير، والجد والهزل، والخشونة واللَّيان، والإباء والإسماح، من غير تفاوت يظهر في خلال إطباقها، ولا قصور ينبع من أثناء أعماقها، مبتسمةً من مثاني الألفاظ عند الاستشفاف، محتجبةً في غموض الصِّيَّان لدى الامتهان، تعطيك مرادَك إن رفقتَ بها وتمنعك جانبَها إن عَنُفْتَ معها" (?)،

أشار بكلامه هذا إلى تحقيق الجانب الذي يكون من شرف المعاني، ليُريَك أنْ ليس المرادُ بصرف العناية إلى المعاني أن تكون معاني الكلام كلُّها من الحق والموعظة أو العلم؛ فإن ذلك لا يتأتَّى في كلِّ كلام، ولا يقتضيه كلُّ مقام، وإن أكثر شعر العرب في الجاهلية بمعزل عن ذلك. وإنما المرادُ أن المعاني التي يجيش بها الخاطرُ - وهي المعاني الأصلية من أغراض التخاطب وغيره - إذا جاش بها الخاطرُ وترددت في النفس، يكون حقًّا على البليغ أن يصورَها معانِيَ فائقةً من مجاز، أو تشبيه، أو إيجاز، أو تلميح، أو تمليح، حتى إذا أُدِّيَتْ بالكلام أَبرزت ألفاظُها صورًا من الحقائق والكيفيات العقلية تقع في نفوس السامعين مواقعَ الإعجاب أو الاستحسان، فإنك إذا افتقدت قول كُثَيِّر:

ولَمَّا قَضَيْنَا مِنْ مِنًى كُلَّ حَاجَةٍ ... وَمَسَّحَ بِالأَرْكَانِ مَنْ هُوَ مَاسِحُ

وَشُدُتَّ عَلَى حُدْبِ المَهَارِي رِحَالُنَا ... وَلَا يَنْظُرُ الغَادِي الَّذِي هُوَ رَائِحُ

أَخَذْنَا بِأَطْرَافِ الأَحَادِيثِ بَيْنَنَا ... وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ المَطيِّ الأباطحُ (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015