وأشهر أنواع المقطع الدعاء، إلا أنه لكثرة وروده في الرسائل سَمُجَ في الأذواق، فكان العدولُ إلى غيره أحسن، مثل التوريات بلفظ الكمال والختام، ومثل ما لا يبقى بعده مترقب للازدياد من الخير كقول الحريري في المقامة 23: "فعاهدَنِي على أن لا أفوه بما اعتمد ما دمت بهذا البلد: [قال الحارث ابن هَمَّام: ] فعاهدته معاهدة مَنْ لا يتأوَّل، ووفيت له كما وفَّى السموأل" (?)، وقوله في المقامة العاشرة: "فمزَّقْتُ رُقْعَتَهُ شَذَرَ مَذَرَ، وَلَمْ أُبَلْ أَعَذَلَ أم عَذَرَ" (?). وهذا الشرط الذي ذكره المؤلف من استحسان المولَّدين، ولم يكن مرعيًا عند بلغاء العرب (?).
قال: "وتلطيفَ المطلع" (?)، أي جعله لطيفًا، أي رفيقًا حسنًا أنيقًا؛ لأنه أول ما يقرع سمع السامع. قال ابن الأثير في الجامع الكبير: "وقد كان بعضُ علماء البيان يقول: أحسنوا - معاشرَ الكتاب - الابتداءات، فإنهن دلائلُ البيان" (?). ومن أهم ذلك الاحتراسُ من ألفاظ تُستكره عند السامع. وللعوائد أثرٌ في هذا الشأن، ولذلك قد ترى المولدين ينتقدون بعض فواتح القصائد بما كان مثله شائعًا عند العرب مثل ذكر البين والبلى.
وأحسنُ مطالع القصائد ما كان يلفت نظر السامع إلى ما بعده بأن لا يكون من المطالع المعتاد تكررُها في الشعر والنثر، فينبغي أن يكون المطلع عزيزًا غير مطروق، وذلك في الألفاظ المفتَتَح بها، فإذا انضم إليها عزةُ المعنى فقد استوفَى