فيها الفكر لاستخراج دقائقها. و"المراد" - بضم الميم - موضعُ رياد الإبل، وهو تنقلها في المرعى مقبلةً ومدبرة. ووقع في النسختين التونسيتين ونسخة الآستانة "مراد الفكر لها"، وهو أحسن. و"المطرح" مكان الطرح أي البعد، وكل هذه تفنناتٌ من المؤلف. وقوله "في المنثور" يتنازعه "تصاريف" و"تضاعيف"، وإنما قيَّد موضوعَ بحثه هذا بالكلام المنثور؛ لأنه سيخص الشعرَ ببحث آخر يجيء عند قوله: "وكان الشعر قد ساواه [في جميع ذلك] " (?).

ومعنى كلام الإمام المرزوقي أن تنوعَ كيفيات مواقع الكلام البليغ مع دلالته على المعاني التي يقصد إليها البلغاء، قد كان تنوعًا يتجاذبه اعتبارُ ألفاظ الكلام واعتبارُ المعاني التي قصدها البلغاء من صناعتهم في البلاغة، وهو الذي كان سببًا في اختلاف أذواق علماء الأدب في شروط محاسن إيقاعها، اختلافًا ناشئًا عن اختلاف أميال (?) الناقدين والمختارين بحسب ما أَلِفوه من ممارسة ما يُعجَبون به، ويروقُ لديهم من نتائج أهل اللسان. وهم مع ذلك متحيِّرون في تعيين سبب مدخل الاستحسان أو ضده إلى أذواقهم: أهو من جهة اللفظ أم هو من جهة المعنى؟ ويوضحه قوله "فمن البلغاء" إلخ. وقد أشار المؤلفُ إلى جهة الاختلاف الأولى إذ قال: "وذلك لتفاوت أقدار منادحها على اتساعها، وتنازح أقطار مظانها ومعالمها"، وأشار إلى معذرتهم عن التحير في تعيين مدخل الاستحسان وضده بقوله: "ولأن تصاريف المباني التي هي كالأوعية وتضاعيف المعاني التي هي كالأمتعة" إلى قوله "ومطرحه".

وليس مرادُ أصحاب هذا المذهب إهمالَ الالتفات إلى جانب المعاني، ولكنهم جعلوا الاهتمامَ بالألفاظ في الدرجة الأولى. فأول ما يُقصد من اهتمام البليغ عند هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015