"السعادة العظمى" التي أنشأها زميلُه وصديقُه الشيخ محمد الخضر حسين في تونس، ومنها ما عُمر لسنوات عدة شبَّ فيها وما اكتهل مثل مجلة "الهداية الإِسلامية" التي أسسها كذلك الشيخ الخضر في القاهرة و"المجلة الزيتونية" التي أسسها بعضُ تلاميذ ابن عاشور في تونس، ومنها ما عُمر طويلًا واكتهل وما زال يصدر حتى يوم الناس هذا مثل مجلتي مجمع دمشق ومجمع القاهرة.
إلا أنه لم يكن في خاطري حينذاك أن أنتهض يومًا لجمع تلك المقالات والرسائل وأن أنشغل بها قراءة وضبطًا وتوثيقًا و"تحقيقًا"، بل لم يكن من "خارطة طريقي" عندها أن أجعل الفكرَ المقاصدي الاجتماعي عند ابن عاشور موضوعًا لأطروحتي في الدكتوراه. ولكن يبدو أن جاذبًا خفيًّا ودافعًا قويًّا كانا يتملكانني فلا أملك منهما فكاكًا، فكما عكفتُ من قبلُ على أعمال المفكر الجزائري اللامع مالك بن نبي دراسة وتأليفًا وترجمة، ألفيتني منغمسًا في تراث علامة تونس الزيتونة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالقدر ذاته إن لم يكن على نحو أكبر. على أن لي مع ابن عاشور صلةً أقدم من تلك التي تربطني بمالك بن نبي (?)، أرى من المناسب الكشفَ عنها هنا لما فيها من بعض الغرابة، ولعلها تفيد مَنْ يروم التبصر بالأبعاد النفسية