الحمد لله حقَّ حمده، والصلاة والسلام على صفوته من خلقه محمد خاتم أنبيائه ورسله، ثم الرضوانُ على من سلك سبيله وسار على نهجه واهتدى بهديه، أما بعد:
ففي منتصف عام 1419 (أواخر 1998) وصفتُ حالَ مصنَّفاتِ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور عليه رحمة الله فقلتُ ما يلي: "إن آثاره العلمية لم يتح لها من الانتشار والتداول ما يجعلها في متناول الدارسين والباحثين، فضلًا عن سواهم من طلاب المعرفة والمثقفين. فكثيرٌ مِمَّا طُبِع منها قد تطاول عليه العهد ونفد من المكتبات، ولم يجد من أهل العزم من المحققين والناشرين من يتولَّى نفضَ الغبار عنه وإخراجه للناس إخراجًا جديدًا. أما ما لَمْ يُطبع - وهو غزير - فلا يزال طيَّ النسيان والإهمال، يقبع مخطوطًا على رفوف المكتبة العاشورية بالمرسى في تونس، ويتراكم عليه غبارُ السنين وتتهدده آفاتُها بالإتلاف، وكأنما تواطأت صروفُ الزمان وتدبيرُ الإنسان على تغييب مَعْلَمٍ مهم من معالمِ الحياة الفكرية والعلميّة للمسلمين بها القرن العشرين! " (?)
حين كتبتُ هذا الكلام كان في خاطري - بصورة خاصة - العددُ الكبير من المقالات التي نشرها ابن عاشور في مجلات وصحف شتى، ينضاف إليها غير قليل من الرسائل، وقد تناءى بجميعها المكان بين تونس والقاهرة ودمشق (وربما غيرها)، وتمادى بها الزمانُ خلال ما لا يقل عن عقود ستة، ومن تلك المجلات والصحف ما لم يُمدَّ في عمره إلا برهة قصيرة فكان حاله كبارق صيف مثل مجلة