وأنا في زمرة الطاعنين على هذا التفسير، ولا أرى حَمَلَهم عليه إلا الولعُ بمقابلة الآي بعضها ببعض، فلما وجدوا آيةً فيها ذكر "خلق الإنسان" وفيها وجودُ "من" داخلة على ما خلق من الإنسان، وهي: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)} [السجدة: 7]، حملوا عليها آيةً صادفَ أن كانت مثلها، وهي: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37].
وكأني بهؤلاء لو قيل لهم: ما المرادُ بأحسن تقويم في قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)} [التين: 4]؟ لقالوا، هو بطن الأم؛ لقوله تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [الزمر: 6]، إذ نجد في الآيتين خلقًا وحرف "في" داخلة على شيء، فيجب أن يكون دخولُها في الموضعين متحدا.
السبب التاسع: ضرورةُ الشعر، وبخاصة القافية؛ فإن الشعراء تسامَحوا لأنفسهم في تغيير أحكام بعض الكلمات، وتسامح لهم العربُ في ذلك (?). فربما غيروا الكلمةَ بحكم الضرورة، فصادف ذلك التغييرُ إحداثَ حسن في الكلمة يبعث الناسَ على استعمال أمثاله كثيرًا في الشعر، ثم يصير شائعًا في الكلام نظمًا ونثرًا، وهذا مثلُ كلمة عَلَا المرادفة لعلو، فقد قال امرؤ القيس: "كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ" (?) للضرورة، وقال غيره: