وكانت المجامعُ في عكاظ، وفي ذي المجاز، وفي موسم الحج بمكة وبمنى، قائمةً لهم مقامَ المؤتمرات والمجامع اللغوية. فربما سمعوا اسمَ الشيء عند قبيلة خفيفًا على اللسان، متناسبَ الحروف، فأخذته قبيلةٌ أخرى وكثر في كلامها. فتارة يُميتون مرادفَه في لسانهم، مثل الصبير والجحلنجع (?). وتارة يشيع اللفظان بينهم، فيجيء الترادف. قال أبو هريرة (وهو من دوس): "ما سمعتُ السكينَ حتى سمعتُ قولَ رسول الله في الحديث عن سلمان: "إيتوني بالسكين"، وما كنا نقول إلا المدية". (?)
ولقد بعد عهدُنا بعصر العرب الأول حتى نتقصَّى بعضَ ما صدر من أهل بلاغتهم من مبتَكَرات استعمال الألفاظ في المجامع، فيتسنى لنا التمثيلُ ببعض ذلك في مقامنا هذا. ولكنا نعرف حادثةً قد تصلح أن تكون مثالًا هنا، وهي ما رواه أبو هلال العسكري أن كعب بن زهير لَمَّا أنشد الرسولَ - عليه السلام - قصيدتَه المعروفة فبلغ قوله في وصف الناقة: