مَنْ يغشى مجالسَهم ومجامعَهم وأنديتهم. فبهذا يتضح لنا إمكانُ حدوثِ اللفظ المشترك من غير تبين للواضع. ولقد تتبعتُ ما استطعت، فانتهيتُ إلى عشرة أسباب لوقوع المشترك في اللغة وكتبها.

السبب الأول: تعدد الوضع وذلك على وجهين: الوجه الأول: تعدد الوضع في العربية أصالة؛ لأن قبائل العرب وإن اتحد معظمُ لغتها، فهي مع ذلك يختص بعضُها ببعض الألفاظ، ولا سيما الشعبان العظيمان عدنان وقحطان. وهذا مثل السدفة للظلمة في لغة تميم وللضوء في لغة قيس. ومثل العَجل، هو ضد البطء في لغة معظم العرب، وهو الطين في لغة حمير. ومثل ييأس، أي: ينقطع رجاؤه في لغة معظم العرب، وهو بمعنى يتبين في لغة هوازن والنخَع (?). فإذا دخل لفظٌ من لغة في لغة أخرى واتفق أن كان مُمَاثِلًا للفظ في اللغة المدخولة، سُمِّيَ مشتركًا.

الوجه الثاني: اشتراكٌ يعرض من إدخال العرب في لغتهم لفظًا من غير لغتهم، فإن عادتهم أن يغيروا اللفظَ المعرَّب ليصيِّروه على زِنَةٍ قريبة من أوزانهم، فيصادف تارة أن يشبه لفظًا عربيًّا سابقًا. وهذا مثلُ الجُلّ اسم للورد، وأصله فارسي "كُلْ"، وهو في الفارسية بين الجيم والقاف والكاف. فلما عرّبوه جعلوه بالجيم فأشبه الجُلّ، وهو الرداء الذي يُجعل على كَفَل الفرس أو ظهر البعير، يقول الأعشى:

وَشَاهِدُنا الجُلُّ وَاليَاسَمِيـ ... نُ والمُسْمِعَاتُ وقُصُّابُها (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015