بالألقابِ في سبيل هذا الحكْم، وليعادِ الأب أبناءَه، والأخُ إخوانه، والصديق أحبابه، وكونوا عباد الله أعداءً. وكان من أخبث مكر السياسة البريطانية أنها تورَّعت عن أن تنزل بالشعب عذاب التنكيل بالقوة الغاشمة، لتنزل به ما هو أبشع وأفتك من عَذَاب الأبدان، عذاب الأَرْوَاح الحائرة المضلَّلة، عذابَ الاعتدال في طلب الحرية، عذاب العداوة والبغضاء، عذاب الضعف والاستهانة والفتور، عذاب الغفلة الدائمة عن الذلّ المقيم.
29 - هذه هي غاية المسرحية الجديدة التي بدأت "بإرضاء الطرفين، وبدعائم التعاون الصادق بين الشعبين الإنجليزي والمصري" كما قال سعد زعيم الثورة! ! ولم تتمّ المسرحيَّة بَعْدُ، والشعبُ لا يزالُ ينْظُرُ إلى الممثّلين وهُمْ على المسرح، وبريطانيا من بعيد تنظُر إلى أثر هذه المسرحية في الشعب الذي أضناها علاجُه. وتعدُّ له تتمّة المسرحية في الفصل الذي يتضمَّنُ "رفع مستوى معيشة الشعوب"، "والدفاع المشترك عن حوزة الوطن"، و"الخوف من ضياعِ الحضارة الإنسانية وتدميرها في الحروب". ولكنها مع ذلك مطمئنّة بعض الاطمئنان، لأن المفكرين والسَّاسة والقَادة والصحافَة كُلَّها، أَعوانٌ لها في هذا الهدف، أعوانٌ في اللحم المصري، ومن الدم المصري، وعليهم سمة النيل الخالدة، والشَّعْب حائرٌ يسيرُ على غير هُدًى وإلى غير غاية، وهو ينظر إلى هؤلاء غير مُنْكر لهم ولا مستريبٍ فيهم أو في إخلاصهم لبلادهم. والأحرارُ الذين يعرفون معنَى كلمة الحريَّة، ويؤمنون بأنّ الحُرّية لا تنال بالمفاوضة ولا بالمعاهدة ولا بالتعاون مع بريطانيا أو أمريكا أو روسيا أو فرنسا، ويؤمنون بأنّ الاحتلال الطويل قد أَفْسَد عقولًا كثيرةً ونفوسًا كثيرة -هؤلاء الأحرار- أيها الإخوان - غائبون عن أوطانهم وعن شَعْبهم في غيابات الاضطهاد، وفي ظلماتِ طَلَب العيش، وفي سراديبِ السُّكُوت والتسليم.
30 - صورة قائمة عابسةُ عرضتُها على شباب هذا الحزبِ، لم أتناوَلْ فيها إلا الناحية السياسية والتفكير السياسيّ. وهناك صورٌ أشد قتامًا وعبوسًا في النواحِي الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية، تزيدُنا بلاء على بلاء. ومع