[الاستعمار البريطاني لمصر]

كلمة ألقيت في اللجنة العليا للحزب الوطني

1 - حين دعيت إلى إلقاء هذه الكلمة بين أيديكم، كان أوّل ما فكرت فيه أن أعدّدَ أنواعَ الأخطار التي تحيط ببلادنا، والأخطارِ التي تفعَلُ في كياننا فعل السوس في العرقِ العتيق. ولست أعني مصر والسودان وحدهُمَا، بل أعني جميع بلاد الشرق، وبلاد العربِ، وبلادِ الإسلام، فنحنُ فيما أرى رقعة واحدة، لها هدفٌ واحدٌ هو الحرية، ننازلُ عدوًّا واحدًا لهُ هَدَفٌ واحدٌ، هو أن يسلبنا هذه الحرية.

2 - ولكنّى رأيتُ الأخطارَ أكْثر من أن يحاط بها في حديثٍ واحدٍ، ورأيتُها جميعًا ترتدُّ إلى زَمَنٍ بعيدٍ، ورأيتُها قد تطوّرت أطوارًا على كرّ الأيامِ. ورأيتُ المرءَ إذا رامَ أن يقسِّم هذه الأخطار الداهمة أقسامًا كثيرةً فَعَل، وإذا أبى إلّا أن يحصرَها في شيء واحد فَعَل أيضًا غير آثم ولا مجانبٍ للصوابِ. وهذا الشيء، هو الاستعمار. فالاستعمارُ خليقٌ أن يجمعَ في هذا اللفظ البرئ من اللغة كُلّ معاني الأخطار، وكُلّ خبائث الشرور التي اجتمعت في أرض الله منذ كانت هذه الأرض، فآثرتُ أن أجعلَهُ مادة هذا الحديث، لا لأنّه شئٌ حَدَث اليومَ بعد أن لم يكن بالأمسِ، بل هو كما تعلمون قديمٌ قد تطاول عليه الأَمَد، والحديثُ عن شروره قديم أيضًا منذ كانَ هذا الخبث اللَّعين. ولم تزلْ أرجاءُ الشرقِ تردّد أصداءَ الزئير العالى، زئير الأحرار في كُلّ بقعة من بقاعه، ولم تزلْ ترجّع أيضًا أناتِ المعذبين، الذين صبّ عليهم الاستعمارُ عذابًا غليظًا ونكالًا شديدًا في كل مكانٍ. ليسَ الاستعمارُ إذنْ شيئًا حديثًا كانَ بعد أن لم يكنْ من قَبْلُ، وبيدَ أنّه شيءٌ يتجدّد كُلّ يومٍ. ويتّخِذُ صورًا مستحدثةٌ مختلفة الأشكالِ: بعضُها بَشِعٌ تنكرهُ العينُ عند النظرة الأولى، وبعضُها ثقيل بغيضٌ إلى النفوسِ، ولكنّه يلحُّ إلحاحَ الذبابِ حتى ييأسَ المبتلَى به، فيعرضُ عنه تارةً ويتجشّمُه أخرى، فإذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015