متاع كان لدويد في أن يلوى "سواعد سمينة"، "لوى يده الله الذي هو غالبُه"؟ وأي لذة يجدها في أن يثنى معصما مخضَّبًا؟ وأسأل نفسي: ما فرق ما بين اللذتين: لذة ليّ السواعد السمينة، ولذة ثنى المعاصم المخضبة؟ وكيف يكون هذا اللىّ وهذا الثنى هما آخر ما يذكره من متاع شبابه حين حضره الموت؟

أما عندي، فمعنى قوله "لويته" أن الفتاة راعها إقدامه على تجاوز الأحراس بلا خوف، فعلمت شدة هيامه بها، فأعجبها إقدامه وزادها به صبابة، فلما دنا إليها "عطفت" ساعدها عليه، وضمته ضمة شوق وفتنة وإعجاب، فجاء دويد ونسب إلى نفسه أنه "عطف ساعدها أو لواه"، لأن إقدامه هو الذي استخفها، ففعلت ما لم تكن لتفعله فتاة غريرة منعمة مكرمة عفيفة مثلها. فإقدامه هو الذي زادها صبابة، وهو الذي نفى من قلبها فَرَق العذراء وحياءها، فعطفت عليه ساعدها وضمته. ذكرى جميلة مثيرة، تدل على ما كان له في شبابه من سطوة بالحرائر الغرائر. أما ليّ السواعد السمينة كما يلوى الحبل، فلا أظنه يصلح أن يكون متاعًا، ومتاعًا يتمدح بذكره شيخ يصيخ لداعى المنية.

وأما البيت الثاني: فإني رأيت أن ثنى معصم مخضب، لا يتميز شيئًا من أي معصم لم يخضب. ورأيت الحسناء تخضب، والشوهاء تخضب أيضًا، بل هي أحرصهما على الخضاب والزينة والتجمل. وظننت، والله أعلم، أن "الخضاب" لا يدخل لذة جديدة زائدة على لذة ثنى المعاصم التي لم تخضب. وظننت أيضًا أن المعصم لا يخضب، فرأيت أنه أراد المعصم المخضب الكف. وظننت أيضًا أنى أعلم أن الخضاب كان منذ قديم الآباد من زينة العرس، حتى خصُّوا به ليلة سموها "ليلة الحناء". ثم وجدتُ أن ثنى المعاصم المخضبة الأكف، كَلَىِّ السواعد السمينة، لا يصلح متاعًا يستمتع به أحد، ويذكره رجل في سياق الموت متمدحًا بما كان في شبابه. فانتهت بى الأظانين كلها إلى أنه أراد "خضاب العرس"، وإذا كان ذلك كذلك، فهو يذكر غانية حديثة العهد بالزواج، أحصنها بعلها، وكفَّ طِماحها إلى غيره. وهي في عقيب العرس أولى بأن تمهِّد لزوجها وتتقتل له وتبتغى له مما يسره منها ويرضيه. ولكن يأتي هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015