سكن فلم يتحرك ولم يتمزق على هذين البلاءين الشديدين، لا يستطيع البتة أن ينفخ الحياة في شعر يقال لينفخ الروح في شعوب موات من وطأة الاستعمار والجهل والاستعباد قديمه وحديثه. وهذا هو جوهر الشعر الوطنى والقومى.

كانت الأحداث تتوالى في الدولة العثمانية، وتوالت الأحداث أيضًا في مصر، وهبَّ مصطفى كامل كالأسد يزأر هنا وهنا حتى أيقظ الأجنَّة في أرحام أمهاتها، واضطرب أكثر العالم العربي والإسلامي، فأراد شوقى أن يكون بالمرصاد لكل ذلك، فأرصد شعره للمناسبات يقول فيها، فكانت لكل حادثة قصيدة، وألف هذه العادة إلى آخر أيام حياته، وقلده فيها جمهرة من معاصريه الشعراء، ولا يزال يعيش بيننا إلى اليوم من يقلده ويقتفي آثاره خطوة خطوة. وأمثال هذه القصائد التي تقال في فورة الأمر وعنفوانه قلما تخطئ هدفها، إذ تجد النفوس مستعدة للتلقى والاهتزاز من تلقاء نفسها، وإن كان الذي يلقى عليها كلامًا غثًّا لا غناء فيه. وشبيه بذلك ما يجده الخائف المتوجس إذ تروعه النبأة الخافتة وتنفضه نفضّا، فإذا سكن جأشه نام على هدة جبل يندك. ولو قرأت اليوم أكثر ما قاله شوقى في المناسبات الوطنية والإسلامية والعربية، فعسى أن لا تجد فيه شيئًا يثير شيئًا فيك إلا التعجب مما كنت أحسسته يوم قرأته في حينه وأوانه، وكأنما كان ذلك كله من عمل الوهم فيك لا أكثر ولا أقل. ومثل هذا ليس بنافع شيئًا في الشعر الوطنى الصحيح الذي لا يموت بموت الساعة التي قيل فيها. ولو شئت أن أضرب الأمثال بكثير من هذا الشعر لفعلت ولكنه إطالة، فمن شاء أن يلتمس وجه الحق في ذلك فليقرأ ديوانه، فهو واجد فيه تحقيق ذلك عيانًا وتجربة.

وشيء آخر أراد به شوقى أن يكون شاعرًا وطنيًّا لكل وطن من أرض العرب والإسلام، ذلك أنه عني كل العناية بدراسة تاريخ عظماء هذا الجيل العربي قديمه وحديثه وحفظ أسماء الرجال والمواقع والأحداث، وجعل ينثرها نثرًا في شعره حتى ما تكاد تخلو له قصيدة من ذكر هؤلاء الرجال كخالد بن الوليد وصلاح الدين وبنى أمية وبنى العباس وفلان وفلان. وصار الأمر عادة حتى أفرط في ذكر الأنبياء بخاصة عيسى ومحمد -عليهما السلام-، ثم ألح على أسماء الملوك الأقدمين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015