إن الأعصاب التي يتكون من مجموعها إنسان هذه النفس، تجد من الجهد في ضبط الأمواج المنفجرة المتدفعة أشد ما يجد حيٌّ من الجهد، ويكون العقل المدبر لهذه الأعصاب في حالة لا يستطيع معها إلا أن يفقد هدوء التأمل الذي ينبغي له ويكون في حياة صاحبه مادة جديدة لتعذيبه، لأنه يُنْشِئ من هذا البحر أفكارًا جديدة يضع فيها مادة عقلية متفجرة، لا تكاد النفس تتناولها حتى تنفجر، فتزداد أمواجها ارتفاعا وثورة واضطرابا وتدفقًا، وكذلك يتعاون العقل والنفس على إشقاء الحي، وجعله بحرا من الآلام لا يسكن ولا يطمئن.

هذا العذاب كله وهذه الحركة المستمرة في أعصاب الحي، وهذه الأمواج المتطوحة الصاخبة في أودية النفس، هذه كلها تعود في حياة من يمارسها ويصبر عليها لذَّات متتابعة يجد فيها سموًّا وعبقرية وقدرة متجددة في دمه، لذات مؤلمة، ولكنها تنعش النفس بالآلام، لذات محرقة، ولكنها تجدد الحياة بالحريق الدائم، لذات على علاتها توجد للحياة اليائسة معنى من الآمال الحية.

أيتها النفس، خوضى غمرة الحياة واسبحي، فلن تعرفي حقيقتك إلا وأنت على الشاطئ الآخر، أيتها النفس المعذبة؟ انغمسى في العذاب ما استطعت فإنك لن تستريحي إلا أن تجدى راحتك كلها في القدرة على احتمال العذاب! أيتها النفس! أنت قوية الإرادة، ولكن القدر أقوى إرادة منك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015