ومادامت هذه الحرب قائمة على هذا الهول وهذا العنف وذلك الجبروت الطاغى، فنحن لا نستطيع أن نقول كيف هو أثر هذه الحرب بالتحديد في أدب العالم، وذلك لأن تأثير الحرب لن ينتهي الآن لأنه يتجدد في كل يوم بأهواله، بل في كل ساعة بل بين كل دقيقة ودقيقة، والتأثير لا يعرف ولا يتميز إلا بعد أن تمر فترة تكفي على قدرها أن يستوى التأثير على حالة باقية يمكن أن يتصورها العقل أو يُلِمّ بها فيتفهمها، وعلى ذلك فليس من الممكن أن نجد أساسا نقول فيه إنه هو الأساس. ولكن لسنا نشك البتة في أن هذا الانفجار العظيم المتقصف في كل مكان سيجعل في أعصاب العالم كله بعد انقضائه انفجارا يتقصف زمنا بمثل ذلك الهول والفزع، وأن الحياة الاجتماعية في نواحي العالم الحي بعد ذلك ستجد اختلالا هائلا يسمع هده ودويه في كل ثنية من ثنايا الدنيا، وأن كل دار يسكنها حي باق سوف تسمع من أرجائها ضجيجا هائلا يودى بالحياة الاجتماعية السالفة التي تعاقبت على العالم بعد الحرب الماضية، وأن المرأة سوف تستغل لشهواتها هذه الرجولة الظامئة التي أطارت الحرب ريها زمنا طويلا، وأن العالم على ذلك سيجد بلاء جديدا لم يسبق له شبيه في التاريخ الإنساني، وأن الأديب سيعيش في هذا الاجتماع الإنساني العالمى بعد آثار الحرب في نفسه فيرى ويسمع ويحس ويفكر ويتأمل ثم ينتج للأدب إنتاجا جديدًا فيه من ذلك كله آثار تشتعل في نواحيه.

إن الأدب هو تعبير الروح الإنسانية السامية النبيلة، والحرب الحاضرة هي تعبير الروح الإنسانية التي اختبلها مَسٌّ من الشيطان المتدلِّي إلى هوة سحيقة من الغرائز الوضعية، وسنرى -والله يعصمنا ويعصم القارئ، وهو الحافظ- كيف يعبر المعنى السامى حين يهتز بالمعاني الوضيعة، وسنرى أبالسة الأدب ينطلقون في كل فج ومن كل حدب ينسلون على الناس بشهواتهم المتكلمة في شعرهم ونثرهم وأفكارهم المستكلبة. وإنا لا ندرى ما خَبَأَ الله للناس، ولكنا نرجو أن ينجينا الله أن نكون بعض هؤلاء، فإن الرجل -وصدق رسول الله- ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها قيد ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015