الدافعان الأولان اللذان يوجدان فيه معانيه التي تحمله حملا على التعبير، وأن التعبير يتناول المادة اللغوية من الألفاظ فيدورها على أسلوب وطريقة وترتيب ينتهي إلى شيء واحد: هو حفظ النسبة والعبارة بين اللفظ اللغوى والمعاني الجديدة التي يعلق بها الأديب أسبابه بأسباب معانيه. إذا علمت ذلك علمت أن الحرب وهي الهَزّ الدائم المستمر بين صباح اليوم وليله -توجد في أدب الأديب بيانًا جديدًا ومجازًا مبتكرًا وعبارة متناسبة تتجدد بها اللغة وتثرى، وتختزن في خزائنها أموال الأدب التي يسهبها (?) لها هذا الأديب.

ولا يذهبن بك ما ترى منْ رَأْينا إلى أن ذلك لا يتناول إلا الألفاظ، كلا، فالأغراض والمعاني والآراء كما قلنا هي الأصل واللغة تبع كمتبوع، وليس ذلك حسب، بل أن النهج والأسلوب والمأخذ والمرمى والمقطع والحد، وكلٌّ يتميز به الكلام الأدبى والنهج الأدبى العام، هو أيضا يتأثر تأثرًا ظاهرًا بينا بالأثر الذي يحدث من جراء الرجفة الحربية التي تزلزل أعصاب المجتمع البشرى في هذه الأيام.

والحرب الحديثة هذه لا تزال قائمة تدمدم دمدمة مفزعة متغولة بالرعب الوحشى الذي يزأر زئيره في ميادين القتال الهائلة، وستستمر كذلك إلى أن يقضى الله قضاءه على هذا العالم الظالم أهله، ولن تضع الحرب أوزارها إلا بعد أن تصفي الأوضار الخبيثة التي تراكم ثقلها (?) على البشرية، وحتى ينهك التعب شياطين الحرب وهي تتداك وتتزاحم إلى أن تسقط إعياء من طول ما طوفت على العقول المختبلة تضع فيها مادتها الشيطانية النارية الملتهبة بالشر والعدوان والبغي والطمع وسائر الرذائل الماحقة التي تعمل في خراب العالم من ناحية، ليقوم العقل البشرى الخالد من ناحية أخرى فيعمره بتوفيق الله وهدايته، واتباع طريقه والتسلم لقضائه، والإيمان بأن منه الرحمة في الخير والشر يداوى بها الكلم الدامى المتفجر حتى يرقأ دمه وتنحسم مادته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015