الحروف كالراء التي تليها، وهي تدخلها اللّثغة في لسان الألثغ فلا يستقيم لهُ معها المخرج، وإنما ينحاز الألثغ -إذا غلبته لثغتهُ من الراء إلى اللام، فاعرف هذا وتدبره وانعم نظرك له وفيهِ (?).

فالقول في "ألَّ"، "هلَّ" يفترق من القول في اللّام التي تلى سائر حروف الحلق مثل "حلَّ" "وعل" ولذلك نقصر القول على "ألَّ" و"هلَّ"، فالألف والهاء هما عمدة باب الحروف الحلقية كما أمضينا آنفًا. واللام في هذا الموضع تمثيل للإلحاح والتردد والانتشار، ومعاناة للتحفز الذي يأتي بالصوت في اندفاعهِ. ألا ترى أن صوت اللام -إذا حققتهُ- شبيهٌ بالجرس الذي تسمعهُ من اصطدام شيء لين بعض اللين بشيء من مثله فيفزع سمعك إليه فتصغى له. وعلى ذلك فمعني "ألَّ" -ابتداءً يتضمن الإشارة إلى حركة مقرونة بصوت بين بين، فلا هو جاسٍ ظامئٌ ولا هو رطب ممتلئٌ بمائه. وكذلك هو في اللغة: ألّ الفرس إذا أسرع فاهتزَّ فسمع من الرمل صوت حافره إذا وقع عليها متتابعًا مترددًا، وكذلك ألّ البرق، وألَّت المرأة رفعت صوتها بالدعاء أو غيره. والأليل من ذلك هو الأنين والحنين عند الجزع، وهو خرير الماء على التربة، وهو صوت الحَصَى إذا وقع على الرمل. والقول في "هَلَّ" قريب منهُ فقالوا: هَلَّ السَّحاب وانْهَلَّ بالمطر، وذلك إذا قطر فوقع ماؤه فسمع صوت هذا الماء حين يصطدم الثرى والرمل بحباتِه في شدة انصبابِه، وتردد هذا الصوت مرة بعد مرة، ومنهُ "أهلَّ" إذا رفع صوته بالدعاء فردَّده.

فإذا صرتَ بعد هذا إلى الحرف الذي يلي اللام وهو النون في "أنّ"، حيث ينبعث الهواء المقذوف إلى الخياشيم، فيحار فيها ويتردد ويجولُ ويُسمَع لجولانه في الأنف صدًى ناعمًا تتبعه غُنة مُدَوّيةٌ باحتكاك الهواء بجدار الأنف -رأيتَ المعنى يتسلسل من اللَّام إلى النون مختلفًا في الدلالة اختلافًا بينًا مرة ومقاربًا مرة أخرى. ثم هو من أجل ذلك حرفٌ دَمِثٌ طيع مترفِّه ناعمٌ حُلو النَّغم لطيفُ الترديدِ، يسيلُ مع الهواءِ لينًا ونعومةً ورقة، لا تدركه الجفوةُ التي تعرض لسائر الحروف مع التحريك إذا حُرّك، فهو لطيفٌ مطاوع ذو نَغَم إذا حُرك أو سُكن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015