الشجرية فليس هذا مكان الإفاضة في ذكره، لما تعلم مما أشرنا إليه آنفًا في بعض كلامنا من أنَنا نرى في الألف والواو والياء رأيًا نخالف بهِ ما ذهب إليهِ أئمتنا رضوان الله عليهم. وأن في سرّ تطوره من حرفٍ حلقى إلى حرفٍ شجريّ موضعًا للنظر، ومجالًا يجول إليهِ الرأي. فندعه إلى موضعه الذي يتنزل عليهِ في أوانه إن شاء الله.

وإذا درجتَ إلى "ألَّ"، رأيت اللاَّم، وهي عندنا من الحروف ذوات المعاني المتشابكة، وذلك أن اللسان معها يعمل أعمال حروف كثيرة. ولقد علمت أن مخرجها -فيما أسلفنا- هو من أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه حيث يندفع إليها الهواء المقذوف من الجوف، فيحصُرُ اللسان هذا الهواء حَصرًا بين الشدّة والرخاوة في الحنكِ الأعلى مما فوقَ الضاحك والنابِ والرباعية والثنية، وعند ذلك يرتكسُ هذا الهواء المحصور في جوف الفم من كِلا جانبيه، ثمَّ إن بعض هذا الهواء يجول في ميدان كأنهُ يروم المخرج من الخياشيم وهو مخرج النون. فلذلك ترى هذه اللاَّم إذا وقفت عليها في مثل "هَلْ" و"قُلْ"، قذفت من المنخرين نفسًا خفيفًا همسًا، تنتفش معهُ الخِنَّابتان (?) قليلًا قليلًا، وكذلك تجدُها كأنْ قد أُشْربتْ من غنة النون في أكثر المنطق. وهذه الملامح الكثيرة التي اختلستها اللام من الحروف التي تليها كالنون والراء والميم، ومن الحروف التي سبقتها كالجيم والشين والضاد، هي التي راحبت من معانيها وكثَّرتها وغمَّضتها على من يروم فقهها وضبطها، وهي أيضًا التي جعلتها أكثر الحروف دورانًا في كلام العرب للطفها وضعفها ورقّتها حيث كانت -ولا تكون هذه الرقّة التي فيها إلَّا مشوبةً ببعض القوَّة والشدَّة، فهي إذن أعدل الحروف وأحسنها استواءً فلا تعتاص على باغيها. ولذلك أيضًا تجدها لا تدخلها العيوبُ التي تدخل سائر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015