للمعاني الأولية التي يمكن اعتمادها أصلًا لمعنى الصوت في حرف حرفٍ من حروف اللسان العربي.

وأنا لا أدعي لنفسي درَك هذا الذي قدَّرت من "علم معاني أصوات الحروف"، ولا أنى وصلت بالفكر فيه إلى حيث أُريد، ولا أنى قد حشدت لهُ جهدي كلهُ حتى أصل إلى استقصاء المعاني التي تضمرها أصوات الحروف. كلَّا بل هذا جهد كنت بذلته قديمًا والنفس ساكنة قارَّة هادئة، إذ كانت مَخِيلةً لطول النظر وحسن الإصغاء لهواجس العاطفة وألحان الطبيعة، وقد حاولت أن أقيد كل خاطرة بقيد لا تتفلت من جوامعه، ولكن الأيام انتزعتني ورمت بي إلى حومة تتسعر وتضطرب وتطغى بضجيجها على فترة النفس واجتماعها على الهَدْأَة والهوينا والسُّكون، فكذلك ذهب أكثر ما تلقفته من المعاني نهبًا ضائعًا بين النسيان والغفلة وقلة المبالاة وطول الإهمال. فلما رغب إليّ أخي الأستاذ "فؤاد صروف" أن أعود إلى الذي تركت من ذلك، أقبلت على فكر قديم لم تبق عندي غير أطلالهِ وظلالهِ، فأتممت منهُ ما نقص على قدر ما بلغ بي الشوق إلى إنقاذ هذه الخواطر من الضياع والبوار. فأنا أكتب هذا الباب الآن ليكون قيدًا لمعانيهِ يحبسها حتى تبقى في مواطنها لا تضيع ولا تشرد، ورجاء أن يقع عليهِ من يحسن أن يتصرف فيهِ بقوة ونشاط وتجويد، أو من هو أمثل مني بمدارسة اللغة والوقوف على أسرارها، والتهدى إلى مسالكها وغوامضها، والاستنباط لينبوع هذا العلم بالبصيرة النافذة التي لا تخطئ مظنة الفائدة، ولا تضل عن جوهر المعاني المطموسة في ظواهر الحروف.

وينبغي لنا أن نقدم بين يدي الكلام فصولًا من القول تكون بها الفائدة، ويسهل معها تقريب هذا الباب إلى من يحتمله، ونحن نقصد فيهِ إلى السهولة والوضوح، فإن ممن يقرأه، ويرجى لهُ أن يصل إلى حقائقهِ، من لا يستطيع أن يقف على الأصول التي يرتد إليها نسب هذا الكلام، من كتب القراءات وكتب اللغة، وأصول كتب النحو والبلاغة وغيرها مما يتصل بسبب إلى أصل العربية والكشف عن مدارجها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015