لا ينكسر ولا يتحطم، ولا تتدنَّى بهِ القوة الغالبة، قوّة اللذّة الإنسانية القَرِمة (?) المتشهّية. لذلك يخلو حبُّ الرافعيّ من الفجور الفني، وإنما يصف الرافعي المحبُّ فجور الرجل والمرأة ليسمو بالرجل الفاجر ويخرجهُ من سلطان لذتِه، ويصف فجور المرأة ليهديها ويطهرها وينزهها وينصفها من ظلم الرجل الفاجر. ولهُ على ذلك قدرة قَلّ أن ينالها كاتب ممن نعرف.

وأما الرافعي ربيبُ الشّعب، فهو الواصف البليغ الذي يستطيع أن يجمع آلام أمة مظلومة في ألفاظٍ تتألم، ويؤلف آلام المساكين في كلمات تبكى، ويحصر سخط المستعبدين من الفقراءِ في حروفٍ تبكى وتتألم وتتسخط وتتشفى وتبغض وتسخر من هذا الاجتماع الذي استعبدهم وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا. فهو في هذه "ترجمان القلوب المتحطمة".

وأما الرافعي الساخر، فهو الكلمة القصيرة التي تبلغ ما لا تبلغهُ الثورات المسلحة. . . وأما الرافعي فهو الرافعي الذي لا تعرفه حتى تقرأه وتصبر على ملازمتهِ، وتعطيه من نفسك لتأخذ من بيانهِ ومن فنّهِ ومن بلاغته ومن فكره ومن حكمته. فهو كاتب حكيم قوي فلا يجدر بك أن تأخذ كلامه على النظرة الطائرة كما تقرأ مقالة في صحيفة يومية لتستفيد، بل اقرأه لتحس وتنفذ إليهِ وتهتز معهُ ثم تستفيد.

اقرأ "وحي القلم" تجد الرجل الذي حدّثناك به، وتجد البيان الغضَّ القوي المتدفق الذي يثير في نفسك التاريخ اللغوى المكتوب في دمك بالوراثة، وفي قلبك بالحب, وفي إحساسك بالأهوال النفسية التي تمر بك. فإن بيان الرافعي إذا تدبرتهُ وتدبرتهُ أيقظ فيك البيان لأنه بيان حر غير مقلد، وأوحي إليك بالفكرة المستحكمة والعبارة المجوّدة لأنه بيان سام غير مقيد، ثم يلهمك القدرة على التفكير، والإبانة لأنه "وحيُ القلم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015