هذا بالكلام على الحالة الاجتماعية في الجزيرة، وهذا كسابقه مما لابدَّ لهُ من التوسع حتى يقع في مجلدات ولكن المؤلف أوجزه على خير ما يكون الإيجاز وعرض فيه للقارئ أهم ما يفكر فيه أو يخطر على باله وأجاد في ذلك إجادة الخبير الذي شاهدَ وسمعَ وفهمَ كل ما شاهدَ وما سمع بعين عربية وأذن عربية وقلب عربيّ، ونقول ذلك لأن كثيرًا ممن كتبَ من الأعاجم إنما رأى بعين أعجمية وسمع بأذن أعجمية وتلقف ذلك بقلب أعجمى حتى كثر الخطأُ في كلامهم، ثم لأن السياسة كان لها يد ورجل أيضًا فيما كتبوا ودوّنوا من شؤون هذه البلاد الاجتماعية والسياسية.
ويلى هذين البابين، باب قد استكمل بهِ المؤلف نقصًا كبيرًا في فرع من علوم العرب ألا وهو "الأنساب". فإن علم الأنساب (أنساب القبائل وغيرها) كان من أهم ما امتازت بهِ الأمة العربية، وقد ألف المتقدمون في ذلك الكتب المطوّلة، واستقصوا فيها أنساب العرب قبيلة قبيلة وبطنًا بطنًا وفخذًا فخذًا ولم يتركوا صغيرًا ولا كبيرًا في هذا الباب إلا ذكروه، ففي هذا الباب حشد المؤلف ما في الجزيرة الآن من القبائل وفروعها على قدر ما أتيح لهُ، وتوثق لذلك من أهل البلاد وعلماء الأنساب فيها وردَّ ما استطاع من هذه القبائل إلى أصولها من القبائل العربية الأولى، وبذلك وصل بين هوَّتين في تاريخ النسب العربيّ، وكان أسبق من أخرج للناس هذه الأنساب التي أهملها مؤرخو هذا العصر. فلما انتهى المؤلف من التعريف بالقبائل التي تسكن البادية العربية الآن أوجز تاريخ الحكم الذي مرَّ بهذه الجزيرة حتى انتهى إلى الدولة القائمة الآن - دولة عبد العزيز بن السعود وآله.
هذه ترجمة ما في الكتاب من العلم، وبقى علينا أن نقول الكلمة في قدر هذا الكتاب وغيره من الكتب التي من بابته. فالأُمم العربية الآن تمزقها السياسة الاستعمارية التي تتولى كبرها وتحمل أوزارها أمم الأعاجم من الأوربيين. وقد بلغوا مبلغًا عظيمًا في التمزيق والتفريق بالدسائس حينًا وبالتعليم الفاسد حينا، وبالنكبة القاصمة التي تدفَّق علينا سيلها وسماها الناس الجنسيات وتهافتوا عليها كما يتهافت الفراش على حتفه من النار. ولابدَّ للأمم العربية فيما بين الصين إلى