وأما ثالث الثلاثة، فإنه عجل كعادته ولم يتثبت من معنى "على" في قوله "على حد منكب" فمعنى "على" في مثل هذه العبارة ينظر إلى معنى "في" أو "عند" ومن ذلك قول الحطيئة:

وإن قال مولاهم، على جُلِّ حادث ... من الدهر: ردُّوا فضل أحلامكم، رَدُّوا

أي عند حادث جليل ينزل بهم. وكذلك قول الفرزدق:

على ساعة، لو كان في القوم حاتم ... على جوده، ضنت به نفس حاتم

أي: في ساعة شديدة، لو شهدها حاتم لضن بالماء على أصحابه.

ورحم الله إمام العربية شيخنا المرصفي، فإنه لم يعرج على سوء فهم التبريزى واستطالته في الدعوى، وقد قرأت عليه أبيات البعيث هذه أيام قراءتى عليه شرحَه لحماسة أبي تمام. وقد جاء في المطبوع من شرحه عند ذكر هذا البيت: "على حد منكب" بفتح الكاف، مصدر ميمى من نكبه الدهر ينكبه بالضم نكبًا: أصابه بنكبة. يريد، وقد أرهقهما العدو فبلغ منهما كل مبلغ".

هذا، ومعنى الأبيات الثلاثة الأخيرة أن عبسًا ويزيد حين حمى القتال، حدثتهما نفسهما بالفرار وهما في سورة نكبة كريهة مستأصلة، فدعوا -كعادة العرب في الاستغاثة والتداعى عند القتال- فقالا "يآل بكر بن وائل"، وقد عجلا فظنا أنهما يدعوان عشيرتهما، وبينهما وبين العشيرة "مسيرة شهر للبريد المذبذب"، إذ كانوا في خراسان كما قلت آنفًا، لا في ديار قومهما وكانت هذه الدعوة وسوسة من وساوس النفس الأمارة، فالعشيرة كلها كما يعلمان، علما ليس بالظن، غائبة بعيدة، والقليل الذي حضر منها خاذل لهما مشغول بنفسه، إلا أنا، فإني حاضر لم أغب، وإذا دعيت فلا أخذل من دعاني. فإذا دعوا فقالا "يآل بكر بن وائل" فهما لم يدعوا أحدًا سواى أنا وحدى

فكنت أنا الحامي حقيقة وائل ... كما كان يحمي عن حقائقها أبي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015