بل لقد قال عروة بن الورد يتمدح بنصرته قومه (بنى عوذ) حين اشتد القتال عليهم بماوَان فقال:

تدارك عوذًا، بعد ما ساء ظنها، ... بماوَان، عِرْقٌ من أُسامة أزهرُ

يعني نفسه حين نصرهم، وقد أوشكوا أن يفروا عن أعدائهم. ويقول موسى ابن جابر الحنفي (عم البعيث صاحب الأبيات المذكورة آنفًا):

وَجُدْتُ بنفس لا يُجاد بمثلها ... وقلت: اطمئني، حين ساءت ظنونُها

وما خير مال لا يقى الذمَّ رَبَّهُ ... بنفس امرئ في حقها لا يهينها

أي حين خطر له أن يفر من حومة القتال

هذا أول سوء قصد التبريزى إلى المعاني. أما ثانيهما فما استخفه من الفرح باجتهاده، حتى عجل فلم يقف على كلمة "حد" ولم يحاول أن يفهمها، إلا على الوجه الذي بدر إلى عقله، وهو الحد الفاصل بين شيئين. بيد أن العرب تقول: "حد الظهيرة" و"حد المطر" و"حد الخمر" و"حد الموت" وكثير من مثل ذلك، وتعنى بالحد الشدة والبأس والصلابة والعنفوان. وقد قال موسى ابن جابر في أول كلمته التي ذكرناها آنفًا:

ألم تريا أنى حميت حقيقتي ... وباشرت حد الموت، والموت دونها

وقد روى هذه الأبيات أبو تمام في حماسته، وشرحها التبريزى نفسه، فشغله الاجتهاد في إعراب "دونها" مرفوعة، عن تمحيص العبارة، وعن الوقوف على معنى "حد الموت"، وفر إلى النحو والعروض يسود الصحف بوجوه تأويلها. ونسى أن يفسر "حد الموت"، وهي سورته وشدته وتلهبه في المعترك وهذا هو المعنى الذي جاء في قول البعيث "حد منكب": أي سورة النكبة وشدتها في القتال، ولم يعن الحد الفاصل بين شيئين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015